jeudi 27 septembre 2007

رهبان بورما وشيوخ المسيار













قدم الرهبان البوذيون في بورما درسا مشرفا في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، عندما نزلوا الي الشوارع، حفاة شبه عراة، في تحد غير مسبوق لقوات امن قمعية لم تتردد في قتل ثلاثة منهم، احدهم بالرصاص، واثنان ضربا حتي الموت.ا
الرهبان البورميون معروفون في العالم كنموذج في التواضع والسكينة ورفض كل انواع العنف، وغالبا ما يعبرون عن معتقداتهم السلمية بالموسيقي وقرع الطبول، وارتداء قطعة برتقالية من القماش الرخيص علامة علي التواضع والتقشف والزهد.ا
هؤلاء ليسوا اهل كتاب، ولا يوجد اي ذكر في ديانتهم البوذية للعنف او الجهاد، او قول كلمة حق في وجه سلطان جائر، ومع ذلك قرروا ان ينحازوا الي جانب الشعب البورمي المسحوق، وان يخرجوا الي الشوارع للمطالبة بالاصلاح ووضع حد للممارسات القمعية والفساد المستشري في البلاد في ظل حكم طغمة عسكرية ديكتاتورية ظالمة.ا
اوضاع الشعوب العربية اسوأ كثيرا من اوضاع الشعب البورمي، فالانظمة الديكتاتورية العربية تغولت في القمع وارهاب المواطن، ومصادرة الحريات ونهب المال العام، والتنكيل بالمعارضين، ومع ذلك لا نري اي تحرك من رجال الدين الذين تزدحم بهم المساجد واماكن العبادة، والجامعات والمدارس وكل اوجه الحياة.ا
شاهدنا مظاهرات لسيدات يطالبن بحقهن في قيادة السيارة، بعضهن تعرضن للضرب والاعتقال والفصل من وظائفهن، وتشويه سمعتهن الشخصية، من خلال نهش اعراضهن، والتطاول عليهن واسرهن بكلام فاحش. ولكننا لم نشاهد مطلقا مظاهرة لرجال الدين تطالب بالاصلاح ووضع حد للفساد، واعتقال الآلاف في السجون، وتغييب القضاء العادل المستقل.ا
الرهبان البوذيون لم تتعرض معابدهم للتدنيس، ولم تتدخل السلطات الحاكمة في طريقة عبادتهم، ولم تقم الحواجز لمنع انصارهم من الصلاة، ومع ذلك نزلوا الي الشوارع يواجهون الرصاص القاتل بصدورهم العارية.ا
حكامنا ارتكبوا خطيئتين اساسيتين وعشرات الخطايا الاخري الاقل شأنا، الاولي انهم مارسوا القمع في اسوأ صوره، وعاثوا في بلداننا فسادا، والثانية صمتهم بل تواطؤهم في عمليات الاذلال التي تتعرض لها امتنا في العراق وفلسطين. ومع ذلك ينبري رهط من وعاظ السلاطين للدفاع عنهم باصدار الفتاوي التي تبرر فسادهم وديكتاتوريتهم واستئثارهم بالسلطة، ومعاملة الشعوب وكأنها عبيد لهم ولنسلهم.ا
الرهبان البوذيون الكفرة في عرف هؤلاء ثاروا علي الظلم والقمع، ووعاظ السلاطين في بلادنا ينافقون الحكام الديكتاتوريين ليل نهار، ويتحالفون معهم في حرف النشئ عن الممارسة الحقيقية لتعاليم عقيدتهم في التصدي للظلم ونصرة المستضعفين وتحرير المقدسات.ا
عندما تسألهم لماذا تقفون في خندق الحكام الفاسدين تبررون فحشهم وتسترون عوراتهم بالفتاوي، يردون بالقول ان طاعة اولي الامر واجبة، ويلحقون ذلك بفتوي عدم جواز الخروج علي الحاكم الا اذا ثبت كفره.ا
طاعة الحاكم واجبة ولكن عندما يكون سيدنا عمر بن الخطاب، او سيدنا علي بن ابي طالب، لكن طاعة حكام طغاة تقاعسوا عن القيام بواجباتهم في حماية المقدسات ونشر العدل بين الرعية، والانتصار للحق، ونصرة اشقاء تحت الاحتلال فهذا هو قمة النفاق.ا
الامم تفسد وتتخلف عندما تفسد قياداتها الدينية، وتنحرف عن مهامها في تقديم المثل والنموذج في التضحية والفداء، والتصدي للحكام الظلمة المفسدين في الارض، المتواطئين مع الاعداء، المتقاعسين عن القيام بالحد الادني من واجباتهم في الدعوة الي الاصلاح، ورفع المظالم، وتربية النشئ تربية صالحة علي اسس الشهامة والكرامة وعزة النفس ومقاومة الاحتلال والمحتلين وتقويم مظاهر الاعوجاج في المجتمع.ا
من المؤسف ان الشغل الشاغل لمعظم علمائنا الذين يملأون الفضائيات حاليا هو الحديث في امور ثانوية تبتعد عن جوهر تخلف امة الاسلام والمسلمين، واسباب استهدافهم بحروب مدمرة دون غيرهم من الامم. ولولا الحياء لاعتبروا الجهاد في فلسطين والعراق في مواجهة الاحتلال ارهابا وخروجا علي طاعة ولي اولياء الامر الذي هو امريكا.ا
الرهبان البوذيون الكفرة لم ينشغلوا بزواج المسيار، وموائد رحمان الراقصات، ولم يتوقفوا كثيرا عند نواقض الوضوء علي اهميتها، ونزلوا الي الشوارع في مسيرات جهادية، وهم الذين لم يعرفوا الاسلام وتعاليمه وربما لم يسمعوا بها.ا
جميع شعوب الارض تتحرك، تتظاهر، تنتفض، وتقدم التضحيات من اجل تغيير مجتمعاتها نحو الافضل، وتكريس حقوق المواطنين في الحريات والمشاركة في السلطة وصياغة حاضرهم ومستقبل اجيالهم الا شعوبنا العربية، والسبب هو وعاظ السلاطين وفتاواهم التخديرية التي تركز علي الهوامش والتفاصيل الصغيرة، وتبتعد عن القضايا الجوهرية.ا
علماء الدين كانوا يتصدرون المظاهرات واعمال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي والانكليزي، الآن تحولوا الي ادوات في يد الحاكم، يستقبل بعض كبارهم المسؤولين الاسرائيليين، ويبرر التطبيع، ويبيح المحظورات، ويشرع القتال ضد بلد عربي مسلم شقيق ويقف الي جانب القوات الامريكية حرصا علي منصبه، وطمعا في منحة من حاكم ظالم فاسد.ا
علينا ان نعترف اننا امة مريضة بمرض عضال أحد ابرز اسبابه وعاظ السلاطين، وشيوخ المسيار، الذين يلعبون دورا كبيرا في تجهيل الاجيال الحالية والمستقبلية حتي تظل هذه الامة في سبات اهل الكهف ولأطول فترة ممكنة.ا
فعندما يطفح كيل رهبان بورما المسالمين انتصارا لشعبهم الذي لا يواجه ربع القمع والفساد الذي تواجهه شعوبنا علي ايدي حكامها الظلمة، ولا يطفح كيل علمائنا ورجال ديننا، فهذا ابرز تشخيص للورم السرطاني الكبير الذي ينتشر في خلايا هذه الامة.ا
نتمني ارسال بعثات الي بورما لكي يتعلم ابناؤنا من رهبانها وشعبها معاني الثورة علي الظلم والقمع والديكتاتورية، وكيفية عدم التردد في قول كلمة حق في وجه سلاطين جائرين.ا

عبد الباري عطوان


27/09/2007
(عن القدس العربي)

jeudi 13 septembre 2007

المغرب والخوف المتوهم من القوي الإسلامية السياسية


د. بشير موسي نافع

13/09/2007


لعدة شهور من هذا العام والملف الانتخابي المغربي يشكل أكبر الملفات الصامتة في دوائر السياسة والفكر العربيين، الإسلامية السياسية وغير الإسلامية. والمقصود هنا أنه لم يثر من الضجيج ما أثارته الانتخابات المصرية قبل سنتين، أو حتي التركية خلال الأسابيع القليلة الماضية.ا
ليس من الواضح ما إن كان هذا الصمت مجرد سطح مضلل لحقيقة مختلفة، أو أنها مرة أخري مشكلة التباين في الاهتمام بما هو مغربي عن ما هو مشرقي. هذا، بالطبع، لا يعني أن الانتخابات المغربية كانت غائبة، أو أنها أقل دلالة من الانتخابات المصرية أو التركية. الحقيقة أن نتائجها تجعلها أكثر أهمية، إن أخذنا في الاعتبار الجدل المتصاعد حول القوي الإسلامية السياسية وعلاقتها بمسألة الحكم والدولة في المجتمعات العربية والإسلامية. المدهش، وربما المضحك، أن أهمية الانتخابات المغربية تنبع ليس من اكتساح الإسلاميين للانتخابات، بل من إخفاقهم في تحقيق الأهداف التي وضعوها لحملتهم الانتخابية. هذا، إضافة إلي حجم المشاركة الشعبية المتدني في هذه الانتخابات.ا
كان الصدام (العائلي) بين الإخوان المسلمين وحلفائهم السابقين من ضباط ثورة تموز (يوليو) المصرية هو الصدام المؤسس لحالة الصراع الطويلة بين التيار الإسلامي السياسي والدولة العربية الحديثة. ولكنه لم يكن الصدام الأخير. عكست حالة الصراع أبعاداً فكرية وثقافية، كما عكست تفاقم أزمة الإجماع العربي ـ الإسلامي حول القضايا والتوجهات الكبري للأمة والدولة، ولكن أهم جوانبه علي الإطلاق كان الصراع علي مؤسسة الحكم. لم يخف الإسلاميون يوماً طموحهم في السيطرة علي أداة الدولة، وقد استخدم هذا الهدف بالتالي كأحد أبرز أدوات الحرب الدعائية التي سوغت بها أنظمة الحكم العربية معركتها مع الإسلاميين وقمعها لهم. ما اعتبره الإسلاميون حقاً طبيعياً، قدمته النخب الحاكمة باعتباره مؤامرة توظيف الدين للوصول إلي السلطة. ولأن تصور الإسلاميين لعملية التغيير لم يكن واضحاً، فقد اعتبر انشغالهم السياسي أمراً غير شرعي، وأن استخدام الأنظمة وسائل القمع لإحباطهم مبرر ومسوغ. خلال الثمانينات والتسعينات، تفاقمت حالة الصراع، لتدفع أجنحة ومجموعات إسلامية مختلفة للجوء إلي العنف. ومن مدن الشمال السوري، إلي صعيد مصر، إلي قري المرتفعات الجزائرية، انتشر العنف باسم الإسلام، مطيحاً باستقرار الدول والشعوب، وعاصفاً بحياة ومستقبل جيل بأكمله من الشبان العرب. وقد وفر لجوء بعض الإسلاميين للعنف واحدة من أكبر الفرص أمام النخب الحاكمة، ليس لتقويض مصداقية القوي الإسلامية وحسب، بل أيضاً لإحكام القبضة علي الدولة والثروة معاً.ا
بيد أن اللجوء للعنف لم يكن المتغير الوحيد الذي شهدته هذه الحلقة المغلقة من التدافع بين القوي الإسلامية السياسية والأنظمة. ففي مواجهة تصاعد وتيرة العنف، نجحت التيارات الرئيسية بين القوي الإسلامية السياسية في تطوير رؤي واستراتيجيات عمل وخطاب لم يكن من السهل علي الأنظمة محاصرتها أو تبرير قمعها. كل التيارات الإسلامية السياسية الرئيسية، من مصر إلي الجزائر، ومن اليمن إلي المغرب، ومن تونس إلي اليمن، تبنت في شكل واضح وقاطع العملية الديمقراطية، كلها نادت بالتعددية الحزبية والتداول السلمي علي السلطة، وكلها أقرت بضرورة العمل السياسي علي الأرضية القانونية والسياسية للدول القائمة. في بعض الحالات، استطاعت الأنظمة الحاكمة إيجاد صيغة، أو نصف صيغة، للتلاؤم مع المتغير الإسلامي الجديد. في اليمن، وبالرغم من أن العملية الانتخابية ليست نزيهة كلية، فقد سمح للإسلاميين بممارسة العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، بل وعند الضرورة أن يصبحوا جزءاً من حكومات ائتلافية. تعاملت الدولة الأردنية مع العمل السياسي الإسلامي زهاء العقد، ثم غلبت الطبيعة القمعية المتأصلة للنظام علي التطبع، وأطلقت الدولة حملة متعددة الأذرع لتحجيم الوجود السياسي الإسلامي، بدون أن تذهب الي حد الإبادة.ا
وحتي في مصر، عقدة العقد في الوضع العربي كله، بنيت استراتيجية التعامل مع التيار الإسلامي السياسي علي أساس تلازم سياسات الهامش والقمع: هامش محدود للعمل، ودورات متتالية من القمع كلما استشعر النظام تصاعد قوة ونفوذ الإسلاميين علي المستوي الشعبي وفي الحياة العامة. دول أخري، بالطبع، لم تستطع، وربما لم تجرؤ، لا علي تغيير عقلها ولا تغيير جلدها. ففي كل من تونس وسورية، يتعرض التيار الإسلامي السياسي لمطاردة لا هوادة فيها منذ نهاية الثمانينات، تصل أحياناً إلي حد المس بوضع الدين نفسه.ا
خلف هذه المتغيرات في توجهات القوي الإسلامية السياسية وفي سياسات أغلب الأنظمة الحاكمة، لم تتوقف عجلة التدافع الدعائي عن العمل. الجامع المشترك الأعظم للتدافع الدعائي هو الخوف، أو علي الأصح زراعة الخوف في الوعي الجمعي للشعوب، ولدي القوي الغربية الرئيسية الحليفة للنظام العربي. أما أداة الخوف هذه فسهلة وبسيطة ومباشرة: الإسلاميون قادمون . بالنسبة للشعوب، الإسلاميون قادمون لتقويض عجلة الاقتصاد برؤاهم التطهرية للعالم، لتقويض أنماط الاجتماع بشكوكهم المتأصلة في حق المرأة في العمل والانخراط في الحياة العامة، لتقويض الاستقرار السياسي باختلافهم الأصيل مع كل النظام الدولي، لتقويض الحريات ببرامج تستبطن فرض سلوكيات وإعلام ومناهج تعليم وأنماط لباس معينة، ولتقويض الثقافة والفن بعدائهم التاريخي للفنون والثقافة. وبالنسبة للقوي الخارجية، والغربية الأطلسية منها علي وجه الخصوص، يعتبر الإسلاميون مصدر ذعر دائم، علي أية حال، إن وضعنا في الاعتبار الأولوية التي يحتلها أمن وقوة ورفاه الدولة العبرية في سياسات هذه القوي، وعداء أغلبية التيار الإسلامي السياسي للدولة العبرية وسياساتها. والحقيقة، إن عملية التخويف هذه لم تستمد مفرداتها دائماً من الخيال الجامح للنخب الحاكمة؛ فما تعهده نظام طالبان في أفغانستان، ومظاهر التضييق علي الحريات في إيران، وفرت مادة خصبة لآلة زراعة الخوف من الإسلاميين. ولم تكن آلة الخوف هذه مقصورة علي أجهزة الحكم والنخب المرتبطة بها، بل ساهم فيها، بمصداقية أو غير مصداقية، قطاع واسع من المثقفين والكتاب والصحافيين العلمانيين، لاسيما بعد أن انهار الجدار الفاصل بين دوائر اليسار والدوائر الليبرالية الغربية بانهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعيناتا.
وجدت سياسة الإسلاميون قادمون لها أدلة إثبات في عدد من الدورات الانتخابية التي شهدتها بعض الدول العربية خلال العقدين الماضيين. ففي أول انتخابات تونسية بعد سيطرة الجنرال بن علي علي السلطة، وبالرغم من أن حركة النهضة لم تشارك في الانتخابات بصورة رسمية، أظهرت النتائج الحقيقية (لا المعلنة بالطبع) أن المرشحين المدعومين من النهضة حققوا فوزاً ساحقاً في الدوائر المحدودة التي خاضوا فيها المعركة الانتخابية. ثم جاءت الانتخابات الجزائرية في 1991 لتبشر في دورتها الأولي بانتصار ملموس لجبهة الإنقاذ. ومنذ بدأ الإخوان المسلمون خوض الانتخابات البرلمانية المصرية، بهذه الصيغة أو تلك، وهم يحققون إنجازات معتبرة، بالرغم من تجنبهم الترشح في كل الدوائر، ومن العبث التقليدي وواسع النطاق في عملية التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج. الانتخابات البلدية الأولي في تاريخ المملكة العربية السعودية، التي عقدت قبل عامين، لم تخرج عن هذا السياق. وتلتها الانتخابات التشريعية الفلسطينية العتيدة، التي أعطت حركة حماس أكثرية مقاعد مجلس منطقة الحكم الذاتي التشريعي. وفوق ذلك له، جاء فوز حزب العدالة والتنمية التركي في دورتين انتخابيتين متتاليتين، في البلد غير العربي الذي يجمع العرب به الجوار الجغرافي والكثير من التاريخ. بكلمة أخري، الإسلاميون قادمون لم يعد مجرد حملة من التخويف الدعائي بل توقع يستند إلي وقائع.ا
ما تقدمه الانتخابات المغربية الأخيرة هو دليل آخر علي الأوهام الكبري التي اصطنعتها سياسة وآلة الإسلاميون قادمون . فالقوي الإسلامية الديمقراطية، كما الاتجاه الإسلامي السياسي ككل، هي قوي بالغة التعدد والتنوع، سواء علي مستوي الخطاب والسياسات، علي مستوي الشعبية والقدرة علي جذب الأصوات، أو فيما يتعلق بالسياق الذي يحيط بوجودها وعملها، ومن ثم إنجازاتها وإخفاقاتها. ثمة أوضاع عربية وإسلامية تنبئ باكتساح إسلامي سياسي حاسم في حال عقدت انتخابات حرة وشفافة ونزيهة؛ وأوضاع عربية أخري لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية لمثل هذا المآل. وفي حال فوز قوة إسلامية سياسية في الانتخابات، فليس ثمة من ضمانة لفوزها في الانتخابات التالية، ليس لأن متطلبات الحكم تختلف عن متطلبات المعارضة وحسب، بل أيضاً لأن أغلب الدول العربية والإسلامية تعيش أوضاعاً بالغة التعقيد من التدخلات الأجنبية والارتهان للوضع الدولي. في الانتخابات المغربية الأخيرة، يجعل النظام الانتخابي من المستحيل لحزب ما تحقيق أغلبية قاطعة في البرلمان. وقد خاض العدالة والتنمية المعركة الانتخابية ضد أحزاب تاريخية ذات جذور عميقة، سياسية وجهوية وثقافية، في المجتمع المغربي، أحدها، وهو حزب الاستقلال، لا تنقصه المرجعية الإسلامية. كما ان المزاج الطاغي علي عموم المغاربة هو مزاج عدم الثقة في الحياة السياسية وفي البرلمان علي السواء، وهو ما انعكس في نسبة المشاركة المنخفضة في عملية الاقتراع. ومسؤولية مواجهة حالة فقدان الثقة بين الشعب ودولته ليست مسؤولية العدالة والتنمية وحده، بل مسؤولية كل النخب الفكرية والثقافية، مسؤولية الطبقة السياسية وجهاز الحكم، والأسس التي تستند إليها الدولة. فوق ذلك كله، فحزب العدالة والتنمية، كما الجماعة الإسلامية في باكستان في الفترة منذ التأسيس وحتي الثمانينات، لم يزل أسير جذوره النخبوية، ولم يستطع التحول بعد إلي قوة شعبية رئيسة. لكل هذه الأسباب، كان إخفاق العدالة والتنمية في الفوز بعدد المقاعد التي تنبأ بها الكثيرون له أمراً طبيعياً.ا
وقد قدمت بلدان أخري من قبل دلالات شبيهة بما حملته الانتخابات المغربية البرلمانية. في الأردن واليمن، مثلاً، لم تكن النتائج التي حققها الإسلاميون خلال ثلاث أو أربع حملات انتخابية متتالية متطابقة مع المخاوف التي تثيرها سياسة الإسلاميون قادمون . ولا استغل الإسلاميون في السودان، في تركيا، أو في فلسطين، سيطرتهم علي آلة الدولة لإقامة أنظمة شبيهة بنظام طالبان، أو حتي نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. كل حالة تختلف عن الأخري، بهذا القدر أو ذاك، وقدرات الإسلاميين علي الإنجاز لا تقل اختلافاً. وبين دولة وأخري، ثمة خصوصيات لا يمكن تجاهلها في النهج والتصور الذي تعبر فيه القوي السياسية عن نفسها. العملية الديمقراطية قد لا تكون في النهاية المنقذ المنتظر لأزمة الدولة وحقبة انهيار الإجماع التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية. ولكنها توفر علي الأقل مناخاً سياسياً عقلانياً، قد يساعد هذه المجتمعات علي مواجهة الأسئلة الكبري في ظل أجواء من السلم والقدر الضروري من الاستقرار.ا

(عن جريدة القدس العربي)

! مشاريع السلام العربية

! مشاريع السلام العربية

! بعد أربعين عاما من النكبة

! بعد أربعين عاما من النكبة

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس