dimanche 21 octobre 2007

في الأسماء

الاثنين: بؤس الأرقام تلقي آدم الأسماء من ربه كضرورة للحياة، واخترع ابناؤه الأرقام لحاجتهم إلي الموت!ا
كانت معرفة الأرقام والحساب أكبر إنجاز عرفته البشرية وقادها إلي مراكمة الاختراعات، لكنها سهلت في الوقت نفسه القتل علي ضمائر القتلة، ليس فقط لأن كل وسائل الإبادة تقوم علي معادلات رقمية، بل لأن الضحايا صارت أعداداً بلا أسماء.ا
لم تزل واقعة القتل الأولي علي الأرض ماثلة لأن للقتيل هابيل اسماً يدل عليه إلي اليوم، ولم تزل مأساة الحسين تتجدد كل عام لأن له اسماً.ا
ولو لم تخترع الأرقام، لكانت ذاكرة الأجيال مطالبة بحفظ أسماء كل ضحايا الحروب. وحينذ لم يكن للضمائر أن تتحمل كل هذا القتل.ا
الثلاثاء: أصل الوجود
لدي قدماء المصريين لم يكن الاسم مجرد قرين للذات. كان الوجود نفسه، محو الاسم معناه أن الشخص لم يوجد من الأساس، ولن تتعرف عليه كائنات العالم السفلي. وبهذه الطريقة استطاعوا تمييز تخريب اللصوص العاديين الذين لايأبهون للخلود وبين تخريب الخصوم السياسيين الذين امتدت أيديهم لمحو الأسماء.ا
وقد تواصل الاعتقاد بقوة الاسم إلي اليوم، فإلي جانب الدعوات العصرية مثل: اللي تدوسه عربية، أو اللي يقطعه قطر لم يزل المصريون يدعون علي من يكرهون بـ اللي ما يتسمي أي الذي ينتفي وجوده!ا
ولايتكفل الاسم بخلق صاحبه البشري فقط، بل يخلق الأشياء والكائنات الأخري، يقولون المرض الوحش حتي لايجرجر اسم السرطان المرض إلي جسد القائل أو أي من السامعين، ويقولون علي مكان المسكون بالعفاريت فيه بسم الله الرحمن الرحيم !ا
والاسم الحسن مثار حسد. وعادة ما تأتي الأسماء القبيحة للذكور كتعويذة ضد الموت الذي جذبته الأسماء الجميلة لأخوة سابقين. لذا فعندما تلتقي بـ الجحش ، أو شلضم لاتفكر بمأساته؛ فكر بمأساة أمه، وكم دفنت قبله من مواليد قبل أن تعلق في رقبته هذه الفزاعة.ا
الخميس: عبد وإبن عبد
المثل الشعبي يقول: لو الأسماء بتنشري كان الفقير سمي ابنه خرا وليس هناك من أطلق علي ابنه اسماً بهذه البشاعة، لكن الأسماء ظلت طبقية في مصر حتي قيام ثورة يوليو. ولم تزل الأسماء القادمة من الماضي حتي النصف الأول للقرن العشرين تحمل طابعها الطبقي واضحاً، مثلها مثل وجود صورة فوتوغرافية.ا
وعلي الرغم من أن مبادئ الميثاق العشرة المكتوبة تبددت، فإن المبدأ غير المكتوب بالقضاء علي الإقطاع في الأسماء لم يزل سارياً، ولم يزل بمقدور المعدمين أن يسموا الأسماء التي تعجبهم، وخاصة البنات حيث يتمتعن بالتنوع الذي لأزيائهن في مقابل محدودية خيارات الأولاد.ا
بوسع ساكني العشش أن يسموا نازلي وسوزي وباكينام وشاهيناز. وكثيراً ما تكون النتائج مضحكة في النهاية، لكن الحق محفوظ، ولايمتنع عنه إلا قلة بدافع من الحياء. واحد من هذه القلة هو عبدالرحمن بن عبدالسميع الذي كان يجر خلفه ابنه عبدالتواب. وعندما سألته مستنكراً أن يفعل هذا بابنه: معقول عبد ابن عبد ابن عبد؟! أجاب بتلقائية شديدة: أسميه وائل يعني وأنا اسمي مكتوب ميت مرة في دفتر الشكك عند البقال؟
الخميس: فول بدماء المجهولين
يأكل المصريون الفقراء الفول باعتباره ضرورة وجودية، ويأكله الأغنياء باعتباره فلكلوراً شعبياً ودليل تبسط وإحساس بالمعدمين. وبالنتيجة لاشيء يوحد المصريين كما يوحدهم الفول!
والليلة كنت بين الساهرين لتناول حصتي الوطنية من الفول، عندما كانت مذيعة الجزيرة تذيع خبر هجوم انتحاريين علي موكب بناظير بوتو ليعبد طريق عودتها بدماء المئات. لم ترتدع يد عن الفول علي الرغم من أن المأساة اقتحمت الغرفة.ا
كم يد كانت ستذهل عن طعامها لو أن البث الحي للمجزرة بالألوان صار بثاً بأسماء الضحايا وما تركوا خلفهم من حيوات كانت معلقة بوجودهم؟!ا
الجمعة: هذا هو اسمي
للشحاذين في مصر طرق مستفزة وقاسية، فهم علاوة علي عرض عاهاتهم المصطنعة يدعون لمن يستجدونهم بدعوات خشنة، في نوع من التهديد باستجابات إلهية معاكسة في حالة الامتناع عن المساعدة، فإن رأوك مع طفلك، يدعون: ربنا ما يحرق قلبك عليه. وإذا كنت مع امرأة جميلة: ربنا يخلي لك الهانم. فوراً يضعك هذا المتسول المجهول في معركة، ويمكنك ببساطة ألا تخضع للابتزاز، فهو في النهاية غير موجود، لأنه بلا اسم.ا
الآن توجد طريقة جديدة للشحادة فرضتها البطالة بين الشباب، تحت مسمي مندوب مبيعات شاب لطيف يمكن أن يكون أخوك أو ابنك، يرتدي بدلة كاملة هي الوحيدة عنده بالتأكيد، يحمل في يد حقيبة، وبالأخري عينات مما بداخلها. يحييك ويبدأ بتعريف نفسه قبل المنتج: معك فلان الفلاني من شركة كذا.. وهذا عرض.. العرض لايهمك، ولديك بدلاً من قلامة الأظافر عشرة في البيت، وبدلاً من علبة الأقلام سيئة الصنع لديك سبع علب لاتستخدمها، لأنك تكتب علي الكمبيوتر.ا
ولكنك لاتستطيع إلا أن يتقطع قلبك علي هذا الشاب الذي صار موجوداً: هيثم عبدالمولي، المهندم كابنك أو أخيك، أنفق عليه أهله من قوتهم لكي يتخرج من الجامعة متسولاً بحقيبة.؟
السبت: كل الأسماء
كان طموح موظف الأرشيف المهووس بالأصل في رواية ساراماغو كل الأسماء أن يصل إلي شجرة عائلة الرب، دون أن يعلم أن البشري المهدد بالزوال مع كل احتمال خسران لاسمه الواحد هو الذي يحتاج إلي أرومة وأصل.ا
الإلهي لديه بذاته أسماء كثيرة؛ بل له الأسماء جميعاً. أسماؤه لاتنفد، لأنها حاجتنا نحن لاحاجته.ا
أسماؤه مسالك الفانين إلي الواحد، وكل حريص علي مسلكه، والواحد حي في أسمائ


"عزت القمحاوي"

(عن القدس العربي)

jeudi 27 septembre 2007

رهبان بورما وشيوخ المسيار













قدم الرهبان البوذيون في بورما درسا مشرفا في مواجهة الديكتاتورية العسكرية، عندما نزلوا الي الشوارع، حفاة شبه عراة، في تحد غير مسبوق لقوات امن قمعية لم تتردد في قتل ثلاثة منهم، احدهم بالرصاص، واثنان ضربا حتي الموت.ا
الرهبان البورميون معروفون في العالم كنموذج في التواضع والسكينة ورفض كل انواع العنف، وغالبا ما يعبرون عن معتقداتهم السلمية بالموسيقي وقرع الطبول، وارتداء قطعة برتقالية من القماش الرخيص علامة علي التواضع والتقشف والزهد.ا
هؤلاء ليسوا اهل كتاب، ولا يوجد اي ذكر في ديانتهم البوذية للعنف او الجهاد، او قول كلمة حق في وجه سلطان جائر، ومع ذلك قرروا ان ينحازوا الي جانب الشعب البورمي المسحوق، وان يخرجوا الي الشوارع للمطالبة بالاصلاح ووضع حد للممارسات القمعية والفساد المستشري في البلاد في ظل حكم طغمة عسكرية ديكتاتورية ظالمة.ا
اوضاع الشعوب العربية اسوأ كثيرا من اوضاع الشعب البورمي، فالانظمة الديكتاتورية العربية تغولت في القمع وارهاب المواطن، ومصادرة الحريات ونهب المال العام، والتنكيل بالمعارضين، ومع ذلك لا نري اي تحرك من رجال الدين الذين تزدحم بهم المساجد واماكن العبادة، والجامعات والمدارس وكل اوجه الحياة.ا
شاهدنا مظاهرات لسيدات يطالبن بحقهن في قيادة السيارة، بعضهن تعرضن للضرب والاعتقال والفصل من وظائفهن، وتشويه سمعتهن الشخصية، من خلال نهش اعراضهن، والتطاول عليهن واسرهن بكلام فاحش. ولكننا لم نشاهد مطلقا مظاهرة لرجال الدين تطالب بالاصلاح ووضع حد للفساد، واعتقال الآلاف في السجون، وتغييب القضاء العادل المستقل.ا
الرهبان البوذيون لم تتعرض معابدهم للتدنيس، ولم تتدخل السلطات الحاكمة في طريقة عبادتهم، ولم تقم الحواجز لمنع انصارهم من الصلاة، ومع ذلك نزلوا الي الشوارع يواجهون الرصاص القاتل بصدورهم العارية.ا
حكامنا ارتكبوا خطيئتين اساسيتين وعشرات الخطايا الاخري الاقل شأنا، الاولي انهم مارسوا القمع في اسوأ صوره، وعاثوا في بلداننا فسادا، والثانية صمتهم بل تواطؤهم في عمليات الاذلال التي تتعرض لها امتنا في العراق وفلسطين. ومع ذلك ينبري رهط من وعاظ السلاطين للدفاع عنهم باصدار الفتاوي التي تبرر فسادهم وديكتاتوريتهم واستئثارهم بالسلطة، ومعاملة الشعوب وكأنها عبيد لهم ولنسلهم.ا
الرهبان البوذيون الكفرة في عرف هؤلاء ثاروا علي الظلم والقمع، ووعاظ السلاطين في بلادنا ينافقون الحكام الديكتاتوريين ليل نهار، ويتحالفون معهم في حرف النشئ عن الممارسة الحقيقية لتعاليم عقيدتهم في التصدي للظلم ونصرة المستضعفين وتحرير المقدسات.ا
عندما تسألهم لماذا تقفون في خندق الحكام الفاسدين تبررون فحشهم وتسترون عوراتهم بالفتاوي، يردون بالقول ان طاعة اولي الامر واجبة، ويلحقون ذلك بفتوي عدم جواز الخروج علي الحاكم الا اذا ثبت كفره.ا
طاعة الحاكم واجبة ولكن عندما يكون سيدنا عمر بن الخطاب، او سيدنا علي بن ابي طالب، لكن طاعة حكام طغاة تقاعسوا عن القيام بواجباتهم في حماية المقدسات ونشر العدل بين الرعية، والانتصار للحق، ونصرة اشقاء تحت الاحتلال فهذا هو قمة النفاق.ا
الامم تفسد وتتخلف عندما تفسد قياداتها الدينية، وتنحرف عن مهامها في تقديم المثل والنموذج في التضحية والفداء، والتصدي للحكام الظلمة المفسدين في الارض، المتواطئين مع الاعداء، المتقاعسين عن القيام بالحد الادني من واجباتهم في الدعوة الي الاصلاح، ورفع المظالم، وتربية النشئ تربية صالحة علي اسس الشهامة والكرامة وعزة النفس ومقاومة الاحتلال والمحتلين وتقويم مظاهر الاعوجاج في المجتمع.ا
من المؤسف ان الشغل الشاغل لمعظم علمائنا الذين يملأون الفضائيات حاليا هو الحديث في امور ثانوية تبتعد عن جوهر تخلف امة الاسلام والمسلمين، واسباب استهدافهم بحروب مدمرة دون غيرهم من الامم. ولولا الحياء لاعتبروا الجهاد في فلسطين والعراق في مواجهة الاحتلال ارهابا وخروجا علي طاعة ولي اولياء الامر الذي هو امريكا.ا
الرهبان البوذيون الكفرة لم ينشغلوا بزواج المسيار، وموائد رحمان الراقصات، ولم يتوقفوا كثيرا عند نواقض الوضوء علي اهميتها، ونزلوا الي الشوارع في مسيرات جهادية، وهم الذين لم يعرفوا الاسلام وتعاليمه وربما لم يسمعوا بها.ا
جميع شعوب الارض تتحرك، تتظاهر، تنتفض، وتقدم التضحيات من اجل تغيير مجتمعاتها نحو الافضل، وتكريس حقوق المواطنين في الحريات والمشاركة في السلطة وصياغة حاضرهم ومستقبل اجيالهم الا شعوبنا العربية، والسبب هو وعاظ السلاطين وفتاواهم التخديرية التي تركز علي الهوامش والتفاصيل الصغيرة، وتبتعد عن القضايا الجوهرية.ا
علماء الدين كانوا يتصدرون المظاهرات واعمال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي والانكليزي، الآن تحولوا الي ادوات في يد الحاكم، يستقبل بعض كبارهم المسؤولين الاسرائيليين، ويبرر التطبيع، ويبيح المحظورات، ويشرع القتال ضد بلد عربي مسلم شقيق ويقف الي جانب القوات الامريكية حرصا علي منصبه، وطمعا في منحة من حاكم ظالم فاسد.ا
علينا ان نعترف اننا امة مريضة بمرض عضال أحد ابرز اسبابه وعاظ السلاطين، وشيوخ المسيار، الذين يلعبون دورا كبيرا في تجهيل الاجيال الحالية والمستقبلية حتي تظل هذه الامة في سبات اهل الكهف ولأطول فترة ممكنة.ا
فعندما يطفح كيل رهبان بورما المسالمين انتصارا لشعبهم الذي لا يواجه ربع القمع والفساد الذي تواجهه شعوبنا علي ايدي حكامها الظلمة، ولا يطفح كيل علمائنا ورجال ديننا، فهذا ابرز تشخيص للورم السرطاني الكبير الذي ينتشر في خلايا هذه الامة.ا
نتمني ارسال بعثات الي بورما لكي يتعلم ابناؤنا من رهبانها وشعبها معاني الثورة علي الظلم والقمع والديكتاتورية، وكيفية عدم التردد في قول كلمة حق في وجه سلاطين جائرين.ا

عبد الباري عطوان


27/09/2007
(عن القدس العربي)

jeudi 13 septembre 2007

المغرب والخوف المتوهم من القوي الإسلامية السياسية


د. بشير موسي نافع

13/09/2007


لعدة شهور من هذا العام والملف الانتخابي المغربي يشكل أكبر الملفات الصامتة في دوائر السياسة والفكر العربيين، الإسلامية السياسية وغير الإسلامية. والمقصود هنا أنه لم يثر من الضجيج ما أثارته الانتخابات المصرية قبل سنتين، أو حتي التركية خلال الأسابيع القليلة الماضية.ا
ليس من الواضح ما إن كان هذا الصمت مجرد سطح مضلل لحقيقة مختلفة، أو أنها مرة أخري مشكلة التباين في الاهتمام بما هو مغربي عن ما هو مشرقي. هذا، بالطبع، لا يعني أن الانتخابات المغربية كانت غائبة، أو أنها أقل دلالة من الانتخابات المصرية أو التركية. الحقيقة أن نتائجها تجعلها أكثر أهمية، إن أخذنا في الاعتبار الجدل المتصاعد حول القوي الإسلامية السياسية وعلاقتها بمسألة الحكم والدولة في المجتمعات العربية والإسلامية. المدهش، وربما المضحك، أن أهمية الانتخابات المغربية تنبع ليس من اكتساح الإسلاميين للانتخابات، بل من إخفاقهم في تحقيق الأهداف التي وضعوها لحملتهم الانتخابية. هذا، إضافة إلي حجم المشاركة الشعبية المتدني في هذه الانتخابات.ا
كان الصدام (العائلي) بين الإخوان المسلمين وحلفائهم السابقين من ضباط ثورة تموز (يوليو) المصرية هو الصدام المؤسس لحالة الصراع الطويلة بين التيار الإسلامي السياسي والدولة العربية الحديثة. ولكنه لم يكن الصدام الأخير. عكست حالة الصراع أبعاداً فكرية وثقافية، كما عكست تفاقم أزمة الإجماع العربي ـ الإسلامي حول القضايا والتوجهات الكبري للأمة والدولة، ولكن أهم جوانبه علي الإطلاق كان الصراع علي مؤسسة الحكم. لم يخف الإسلاميون يوماً طموحهم في السيطرة علي أداة الدولة، وقد استخدم هذا الهدف بالتالي كأحد أبرز أدوات الحرب الدعائية التي سوغت بها أنظمة الحكم العربية معركتها مع الإسلاميين وقمعها لهم. ما اعتبره الإسلاميون حقاً طبيعياً، قدمته النخب الحاكمة باعتباره مؤامرة توظيف الدين للوصول إلي السلطة. ولأن تصور الإسلاميين لعملية التغيير لم يكن واضحاً، فقد اعتبر انشغالهم السياسي أمراً غير شرعي، وأن استخدام الأنظمة وسائل القمع لإحباطهم مبرر ومسوغ. خلال الثمانينات والتسعينات، تفاقمت حالة الصراع، لتدفع أجنحة ومجموعات إسلامية مختلفة للجوء إلي العنف. ومن مدن الشمال السوري، إلي صعيد مصر، إلي قري المرتفعات الجزائرية، انتشر العنف باسم الإسلام، مطيحاً باستقرار الدول والشعوب، وعاصفاً بحياة ومستقبل جيل بأكمله من الشبان العرب. وقد وفر لجوء بعض الإسلاميين للعنف واحدة من أكبر الفرص أمام النخب الحاكمة، ليس لتقويض مصداقية القوي الإسلامية وحسب، بل أيضاً لإحكام القبضة علي الدولة والثروة معاً.ا
بيد أن اللجوء للعنف لم يكن المتغير الوحيد الذي شهدته هذه الحلقة المغلقة من التدافع بين القوي الإسلامية السياسية والأنظمة. ففي مواجهة تصاعد وتيرة العنف، نجحت التيارات الرئيسية بين القوي الإسلامية السياسية في تطوير رؤي واستراتيجيات عمل وخطاب لم يكن من السهل علي الأنظمة محاصرتها أو تبرير قمعها. كل التيارات الإسلامية السياسية الرئيسية، من مصر إلي الجزائر، ومن اليمن إلي المغرب، ومن تونس إلي اليمن، تبنت في شكل واضح وقاطع العملية الديمقراطية، كلها نادت بالتعددية الحزبية والتداول السلمي علي السلطة، وكلها أقرت بضرورة العمل السياسي علي الأرضية القانونية والسياسية للدول القائمة. في بعض الحالات، استطاعت الأنظمة الحاكمة إيجاد صيغة، أو نصف صيغة، للتلاؤم مع المتغير الإسلامي الجديد. في اليمن، وبالرغم من أن العملية الانتخابية ليست نزيهة كلية، فقد سمح للإسلاميين بممارسة العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، بل وعند الضرورة أن يصبحوا جزءاً من حكومات ائتلافية. تعاملت الدولة الأردنية مع العمل السياسي الإسلامي زهاء العقد، ثم غلبت الطبيعة القمعية المتأصلة للنظام علي التطبع، وأطلقت الدولة حملة متعددة الأذرع لتحجيم الوجود السياسي الإسلامي، بدون أن تذهب الي حد الإبادة.ا
وحتي في مصر، عقدة العقد في الوضع العربي كله، بنيت استراتيجية التعامل مع التيار الإسلامي السياسي علي أساس تلازم سياسات الهامش والقمع: هامش محدود للعمل، ودورات متتالية من القمع كلما استشعر النظام تصاعد قوة ونفوذ الإسلاميين علي المستوي الشعبي وفي الحياة العامة. دول أخري، بالطبع، لم تستطع، وربما لم تجرؤ، لا علي تغيير عقلها ولا تغيير جلدها. ففي كل من تونس وسورية، يتعرض التيار الإسلامي السياسي لمطاردة لا هوادة فيها منذ نهاية الثمانينات، تصل أحياناً إلي حد المس بوضع الدين نفسه.ا
خلف هذه المتغيرات في توجهات القوي الإسلامية السياسية وفي سياسات أغلب الأنظمة الحاكمة، لم تتوقف عجلة التدافع الدعائي عن العمل. الجامع المشترك الأعظم للتدافع الدعائي هو الخوف، أو علي الأصح زراعة الخوف في الوعي الجمعي للشعوب، ولدي القوي الغربية الرئيسية الحليفة للنظام العربي. أما أداة الخوف هذه فسهلة وبسيطة ومباشرة: الإسلاميون قادمون . بالنسبة للشعوب، الإسلاميون قادمون لتقويض عجلة الاقتصاد برؤاهم التطهرية للعالم، لتقويض أنماط الاجتماع بشكوكهم المتأصلة في حق المرأة في العمل والانخراط في الحياة العامة، لتقويض الاستقرار السياسي باختلافهم الأصيل مع كل النظام الدولي، لتقويض الحريات ببرامج تستبطن فرض سلوكيات وإعلام ومناهج تعليم وأنماط لباس معينة، ولتقويض الثقافة والفن بعدائهم التاريخي للفنون والثقافة. وبالنسبة للقوي الخارجية، والغربية الأطلسية منها علي وجه الخصوص، يعتبر الإسلاميون مصدر ذعر دائم، علي أية حال، إن وضعنا في الاعتبار الأولوية التي يحتلها أمن وقوة ورفاه الدولة العبرية في سياسات هذه القوي، وعداء أغلبية التيار الإسلامي السياسي للدولة العبرية وسياساتها. والحقيقة، إن عملية التخويف هذه لم تستمد مفرداتها دائماً من الخيال الجامح للنخب الحاكمة؛ فما تعهده نظام طالبان في أفغانستان، ومظاهر التضييق علي الحريات في إيران، وفرت مادة خصبة لآلة زراعة الخوف من الإسلاميين. ولم تكن آلة الخوف هذه مقصورة علي أجهزة الحكم والنخب المرتبطة بها، بل ساهم فيها، بمصداقية أو غير مصداقية، قطاع واسع من المثقفين والكتاب والصحافيين العلمانيين، لاسيما بعد أن انهار الجدار الفاصل بين دوائر اليسار والدوائر الليبرالية الغربية بانهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعيناتا.
وجدت سياسة الإسلاميون قادمون لها أدلة إثبات في عدد من الدورات الانتخابية التي شهدتها بعض الدول العربية خلال العقدين الماضيين. ففي أول انتخابات تونسية بعد سيطرة الجنرال بن علي علي السلطة، وبالرغم من أن حركة النهضة لم تشارك في الانتخابات بصورة رسمية، أظهرت النتائج الحقيقية (لا المعلنة بالطبع) أن المرشحين المدعومين من النهضة حققوا فوزاً ساحقاً في الدوائر المحدودة التي خاضوا فيها المعركة الانتخابية. ثم جاءت الانتخابات الجزائرية في 1991 لتبشر في دورتها الأولي بانتصار ملموس لجبهة الإنقاذ. ومنذ بدأ الإخوان المسلمون خوض الانتخابات البرلمانية المصرية، بهذه الصيغة أو تلك، وهم يحققون إنجازات معتبرة، بالرغم من تجنبهم الترشح في كل الدوائر، ومن العبث التقليدي وواسع النطاق في عملية التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج. الانتخابات البلدية الأولي في تاريخ المملكة العربية السعودية، التي عقدت قبل عامين، لم تخرج عن هذا السياق. وتلتها الانتخابات التشريعية الفلسطينية العتيدة، التي أعطت حركة حماس أكثرية مقاعد مجلس منطقة الحكم الذاتي التشريعي. وفوق ذلك له، جاء فوز حزب العدالة والتنمية التركي في دورتين انتخابيتين متتاليتين، في البلد غير العربي الذي يجمع العرب به الجوار الجغرافي والكثير من التاريخ. بكلمة أخري، الإسلاميون قادمون لم يعد مجرد حملة من التخويف الدعائي بل توقع يستند إلي وقائع.ا
ما تقدمه الانتخابات المغربية الأخيرة هو دليل آخر علي الأوهام الكبري التي اصطنعتها سياسة وآلة الإسلاميون قادمون . فالقوي الإسلامية الديمقراطية، كما الاتجاه الإسلامي السياسي ككل، هي قوي بالغة التعدد والتنوع، سواء علي مستوي الخطاب والسياسات، علي مستوي الشعبية والقدرة علي جذب الأصوات، أو فيما يتعلق بالسياق الذي يحيط بوجودها وعملها، ومن ثم إنجازاتها وإخفاقاتها. ثمة أوضاع عربية وإسلامية تنبئ باكتساح إسلامي سياسي حاسم في حال عقدت انتخابات حرة وشفافة ونزيهة؛ وأوضاع عربية أخري لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية لمثل هذا المآل. وفي حال فوز قوة إسلامية سياسية في الانتخابات، فليس ثمة من ضمانة لفوزها في الانتخابات التالية، ليس لأن متطلبات الحكم تختلف عن متطلبات المعارضة وحسب، بل أيضاً لأن أغلب الدول العربية والإسلامية تعيش أوضاعاً بالغة التعقيد من التدخلات الأجنبية والارتهان للوضع الدولي. في الانتخابات المغربية الأخيرة، يجعل النظام الانتخابي من المستحيل لحزب ما تحقيق أغلبية قاطعة في البرلمان. وقد خاض العدالة والتنمية المعركة الانتخابية ضد أحزاب تاريخية ذات جذور عميقة، سياسية وجهوية وثقافية، في المجتمع المغربي، أحدها، وهو حزب الاستقلال، لا تنقصه المرجعية الإسلامية. كما ان المزاج الطاغي علي عموم المغاربة هو مزاج عدم الثقة في الحياة السياسية وفي البرلمان علي السواء، وهو ما انعكس في نسبة المشاركة المنخفضة في عملية الاقتراع. ومسؤولية مواجهة حالة فقدان الثقة بين الشعب ودولته ليست مسؤولية العدالة والتنمية وحده، بل مسؤولية كل النخب الفكرية والثقافية، مسؤولية الطبقة السياسية وجهاز الحكم، والأسس التي تستند إليها الدولة. فوق ذلك كله، فحزب العدالة والتنمية، كما الجماعة الإسلامية في باكستان في الفترة منذ التأسيس وحتي الثمانينات، لم يزل أسير جذوره النخبوية، ولم يستطع التحول بعد إلي قوة شعبية رئيسة. لكل هذه الأسباب، كان إخفاق العدالة والتنمية في الفوز بعدد المقاعد التي تنبأ بها الكثيرون له أمراً طبيعياً.ا
وقد قدمت بلدان أخري من قبل دلالات شبيهة بما حملته الانتخابات المغربية البرلمانية. في الأردن واليمن، مثلاً، لم تكن النتائج التي حققها الإسلاميون خلال ثلاث أو أربع حملات انتخابية متتالية متطابقة مع المخاوف التي تثيرها سياسة الإسلاميون قادمون . ولا استغل الإسلاميون في السودان، في تركيا، أو في فلسطين، سيطرتهم علي آلة الدولة لإقامة أنظمة شبيهة بنظام طالبان، أو حتي نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. كل حالة تختلف عن الأخري، بهذا القدر أو ذاك، وقدرات الإسلاميين علي الإنجاز لا تقل اختلافاً. وبين دولة وأخري، ثمة خصوصيات لا يمكن تجاهلها في النهج والتصور الذي تعبر فيه القوي السياسية عن نفسها. العملية الديمقراطية قد لا تكون في النهاية المنقذ المنتظر لأزمة الدولة وحقبة انهيار الإجماع التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية. ولكنها توفر علي الأقل مناخاً سياسياً عقلانياً، قد يساعد هذه المجتمعات علي مواجهة الأسئلة الكبري في ظل أجواء من السلم والقدر الضروري من الاستقرار.ا

(عن جريدة القدس العربي)

dimanche 12 août 2007

افكارك المكتومة لك، وكلماتك المعلنة ليست لك

samedi 4 août 2007

القضية الفلسطينية

لماذا يخافون الإسلام الذي بشر بقيم موسى وعيسى؟





"زين العابدين الركابي"

«هل الكوكب الأرضي يتسع لكل الأديان والأمم، ويضيق ـ فقط ـ بدين الاسلام وبالمسلمين؟.. إننا نعجب من هذا التحامل غير المبرر على الاسلام كدين لأننا نعلم ان الاسلام دين سماحة وتعارف وتفاهم واحترام للتعدديات المختلفة ويحرص على ازالة الأسلاك الشائكة بين الثقافات والحضارات وقد جاء بهذه القيم في وقت كان فيه العالم غارقا في الظلام في عهود ما سمي (بالقرون الوسطى المظلمة) في اوربا، وهي القرون التي كانت تقابلها نهضة التنوير العقلي والمعرفة والعلم عند العرب والمسلمين كما شهد بذلك علماء ومفكرون غربيون لا نستطيع احصاءهم الآن. وإنا لنسأل بتعجب أيضا: ما سبب هذا التحامل على الإسلام؟.. هل هو الجهل بحقيقة الإسلام؟.. أو هل السبب هو رواسب تاريخية معينة لم يستطع أصحابها التخلص منها فانعكست على أقوالهم ومواقفهم في أيامنا هذه»؟.ا

هذه المطارحة الفكرية الجادة تلقيتها من مسؤول عربي خليجي كبير عرف بـ (اهتمامه الفكري الرفيع) على الرغم من مسؤولياته السياسية والادارية الضخمة.. وأتت هذه المطارحة تعليقا على مواقف غير ودية تجاه الاسلام في عالمنا هذا.ا

مرة أخرى، وثالثة، وعاشرة: ليس من العقل، ولا التبصر الواقعي، ولا المسؤولية الحضارية: أن تشغلنا السياسة ـ على أهميتها ـ عما هو مثلها، أو أخطر منها، وأبعد مدى: في الزمن والتأثير، وهو (الفكر).ا

ولئن نَفَذ مقال الأسبوع الماضي من حدث سياسي هو الانتخابات البرلمانية التركية، الى ما وراء الحدث وهو (الفكر العلماني) وموقفه من الدين، فإن مقال اليوم له مدخله الزمني الفكري وهو: المطارحة الفكرية لذلك المسؤول العربي الكبير وللمقال ـ في الوقت نفسه ـ مقتضاه الموضوعي.. ويتمثل هذا المقتضى الموضوعي في (ظاهرة فكرية): اتحدث في المضمون والغاية وان تعددت مصادرها.. ويمكن تكييف هذه الظاهرة وتسميتها بأنها (ظاهرة التغذية المستمرة والمتصاعدة بالخوف من الاسلام: بناء على انفعالات عاطفية وتعصبات نفسية وأحكام مسبقة، لا بناء على براهين عقلية نتجت عن بحث منهجي علمي نزيه وأمين).ا

وهذه منظومة من (أجزاء) الظاهرة و(قرائنها).ا

1 ـ في أواخر يونيو الماضي: انعقد مؤتمر يهودي عالمي تحت عنوان (التخطيط لسياسات الشعب اليهودي). وقد انتظم المؤتمر شخصيات عالمية: يهودية وغير يهودية: شخصيات سياسية وفكرية وعلمية واقتصادية وإعلامية. وانتهى المؤتمر الى نتائج ووصايا منها: ان مما يهدد مستقبل الشعب اليهودي هو (تعاظم المد الأصولي الديني في العالم).. ولا يقصدون بذلك: الأصولية الهندوسية، ولا المسيحية، ولا اليهودية. وإنما يقصدون (الأصولية الإسلامية).. وفي هذا المجال نفسه: لا يقصدون غلاة المسلمين ومتطرفيهم وإرهابييهم فحسب. بل يقصدون المسلمين أجمعين الذين يعتزون بدينهم، ويرجعون الى (أصوله) النقيّة في الكتاب والسنة ليهتدوا بها في حياتهم العامة والخاصة..ا

وهذه رؤية غير مفصولة عن رؤية أسبق منها في الزمن. فمنذ أكثر من ربع قرن صاغوا تقريرا استراتيجيا يقول: «ان المشكلة ليست في الشباب المسلم المتطرف إذ هم ضحايا للاسلام نفسه (!!!) الذي ما صَدَقَ مسلم في الالتزام به الا تحول الى متطرف وارهابي، فالمشكلة في الاسلام ذاته ولذا يجب أن ينعقد اجماع اقليمي وعالمي على مواجهة هذا الخطر».ا

2 ـ والسند متصل بكبير من كبرائهم، ورائد فيهم يصغي اليه الجميع، ويعتدون بآرائه وأفكاره وهو برنارد لويس. ففي كتاب (أوربا والاسلام) الصادر في يونيو 2007 (ذات الشهر الذي انعقد فيه المؤتمر اليهودي المذكور آنفا).. في هذا الكتاب يقول برنارد لويس: «إن الاسلام عاد الى النضال من أجل الهيمنة على العالم اليوم على حساب المسيحية كما حدث من قبل في الشام وشمال افريقيا ووسط أوربا.. إن أحداث 11 سبتمبر كانت مجرد مقدمة، وان الهجوم هو أول السلسلة في هجوم شامل يتعدى الهجمات الارهابية ليأخذ أشكالا وصيغا أخرى مثل هجرة أفواج من المسلمين الى أوربا وتأثيراتهم في الحياة الأوربية من خلال تكاثرهم ومعهم قيمهم وأعرافهم وتقاليدهم».. ولويس هذا صاحب نظرية مركبة هي: ان العلة في الاسلام قبل أن تكون في المسلمين. وان التاريخ الاستعماري أثبت أن العرب والمسلمين لا يستطيعون الحياة إلا تحت وصاية أجنبية.ا

3 ـ في خواتيم يوليو الماضي: انبعث جورج جاينسفاين: السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان، انبعث يقول: «ينبغي ألا نستهين بأسلمة الغرب، وألا نتجاهل خطرها على هوية أوربا بذريعة مجاملة تفهم بشكل خاطئ.. ان الكاثوليكية ترى ذلك جاليا وتقوله بوضوح».ا

تلك أجزاء ثلاثة أو قرائن ثلاث من ظاهرة (التغذية الفكرية الواسعة والمتزايدة بالخوف من الاسلام والمسلمين).. وقد اكتفينا بهذه النماذج لأن الايراد الكامل للقرائن كافة، ينقل الموضوع من دائرة المقال الى دائرة تأليف كتاب أو كتب.ا

فماذا وراء (الخوف المرضي) من الإسلام؟.. هل وراءه (وهم) سببه الجهل المطبق؟.. يجوز.. هل سببه (كراهية) صنعها التعصب الطاغي؟.. يجوز.. هل سببه (معركة مفتعلة) دافعها الاستغلال السياسي الغربي للدين؟.. يجوز.. هل سببه: الحكم على الاسلام من خلال سلوك رديء كريه لبعض المسلمين؟.. يجوز.. ولكن هذا الحكم ينسحب ـ كذلك ـ على المسيحية واليهودية بواسطة الحكم عليهما بما فعله هتلر وموسوليني المسيحيان في الحرب العالمية الثانية وبما تفعله اسرائيل اليهودية بالفلسطينيين الآن.ا

غريب وعجيب ومفجع حقا سلوك البشر.. هل الناس مجانين؟.. لماذا يحرصون على (التنقيب) عما يفرقهم ويباعد بينهم، ويهملون ـ بتفريط معيب ـ ما يقرب ويؤلف بينهم؟.ا

ان (قيم الاسلام) التي يخافون منها الى درجة الهلع، ليست بعيدة عنهم، لو أنهم فكروا بعقولهم الحرة وضمائرهم الصادقة فيها.. إنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا أن هذه القيم والمبادئ هي هي نفسها التي بشر بها نبيا الله: موسى بن عمران، وعيسى بن مريم صلى الله عليهما وسلم.ا

إننا نكتب لقراء نحترم عقولهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية. وبهذا المقياس، من حقهم علينا أن نقدم البراهين والأدلة التي تثبت (دعوى): ان الاسلام تضمن ـ بلا ريب وبوضوح واستفاضة ـ القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وعيسى عليهما السلام.ا

1 ـ إن جوهر الإسلام هو الإيمان بالله وتوحيده وعبادته والإخلاص له. فقد تنزل على نبي الله محمد: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين. ألا لله الدين الخالص».. وهذا هو جوهر رسالة نبي الله موسى: «فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري».. وهذا هو جوهر الرسالة التي هتف بها نبي الله عيسى: «ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون. إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم».ا

2 ـ ان الإسلام دعا الناس إلى الحياة في نور الله وهداه: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم».. والدعوة إلى الحياة في نور الله وهداه هي (المضمون الأعظم) لرسالة نبي الله موسى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا..».. وهذا هو ذات المضمون الأعظم، لرسالة نبي الله عيسى" «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يدي من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه».ا

3 ـ بل هناك (تطابق) في تفاصيل كثيرة بين الإسلام وبين المسيحية.. من هذه التفاصيل:ا

أ – الصلاة والزكاة.. ففي القرآن: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة».. وفي رسالة عيسى ـ على لسانه ـ: «وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا».ا

ب ـ بر الوالدين.. ففي القرآن: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً».. وفي رسالة المسيح العظيم ـ على لسانه ـ:«وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا».ا

ج ـ حشمة النساء.. ففي القرآن: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلالبيبهن».. وفي وصية بطرس للنساء: «لا تكن زينتكن زينة ظاهرة من ضفر الشعر والتحلي بالذهب والتأنق في الملابس، بل الخفي من قلب الإنسان» أي زينة بريئة من الفساد لنفس وادعة، ذلك هو الثمن عند الله.ا

ففيم الخوف من قيم الاسلام ومبادئه، وهي نفسها القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وتوراته وعيسى وانجيله؟.. هل التقارب او التطابق ـ يمسي في غيبة العقل والضمير ـ ذريعة للتحامل على الاسلام والانتقاص منه والتخويف من قيمه؟.. يا الهي: كيف يفكر الناس؟!ا

ويبدو أن مواقف التحامل والتخويف هي (محض تعصب) عنصري او حضاري، لا علاقة له برسالة المسيح السمحة المرحبة بالحق والحكمة أنَّى كان مصدرها.. والدليل على انه محض تعصب عنصري هو: ان الاتحاد الاوربي رفض ان يتضمن الدستور الاوربي عبارة (دور القيم المسيحية في الحضارة الاوربية).. والدليل الثاني: ان الاتحاد الاوربي نفسه طلع على الناس منذ اسابيع بهذه المقولة: «ان القول الديني بخلق السموات والارض في ستة ايام يهدد حقوق الانسان»!.. ومعروف ان خلق السموات والارض في هذه المدة نصوص وردت في (الكتاب المقدس).. ووردت ـ كذلك ـ في القرآن المجيد (وهذا من براهين التلاقي والتطابق).. وتلك المقولة الاوربية اذ تدل على استمرار نزعة النفور من المسيحية نفسها هناك، فانها تدل ـ من جانب آخر ـ على جهالة مطبقة بمفهوم (اليوم عند الله سبحانه) فاليوم عند الله كخمسين ألف سنة مما نعد: «تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».. ثم هي جهالة مطبقة بقانون (التدريج) المعارض لمقولات (الطفرة)، وهو قانون تحدث عنه ابن خلدون فوصفه بأنه (هيئة بديعة من التدرج).. واذا كانت قضية (الخلق والتكوين) قد اصطدمت بمفاهيم دينية معروفة في اوربا ادت الى الصراع مع المؤسسة الدينية والى النفور من الدين نفسه، فان الحال ليس كذلك مع الاسلام والمسلمين، فعلماء الاسلام وفلاسفته منذ القرن العاشر الميلادي، ناقشوا هذه القضية وانتهوا ـ عقليا ـ الى ان خلق السموات والارض ـ وما فيهما ـ كان بقدرة الله ومشيئته، وانه تطور او (تدرج) بمشيئة الله عز وجل ومن هؤلاء العلماء: أحمد البلخي وابن مسكويه والطبري والفارابي وهذا (الفكر التنويري) المبكر هو من (القيم العلمية والحضارية) التي اهداها المسلمون الى الحضارة الاوربية.. يقول المفكر بريفولت في كتابه (بناء الانسانية).. «لقد كان العلم اهم ما جاءت به الحضارة الاسلامية، وليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الاوربي إلا يمكن ارجاع اصلها الى مؤثرات الثقافة الاسلامية بصورة قاطعة وكانت اظهر ما تكون في العلوم الطبية وروح البحث العلمي».. فلماذا الخوف من الاسلام وهو جسر تلاق وائتلاف ومصدر تنوير وابداع؟.. على ان هذا المفهوم السمح الواعد ينبغي ان يتمثله المسلمون انفسهم ولا سيما الذين يعيشون في الغرب.. يتعين عليهم ان يمارسوا قيمهم الاسلامية في اطار قوانين البلاد التي يعيشون فيها. فهذه القوانين من العهود التي يتوجب الوفاء بها وفاء مقترنا بالعلم الراسخ بأنهم لم يكلفوا بتطبيق الشريعة الاسلامية كدستور عام يحكم الحياة كلها، فهم لا يستطيعون ذلك.. والقاعدة العلمية العملية ـ ها هنا ـ هي (لا تكليف بما لا يطاق).. يضم الى ذلك: ان المناهج والشرائع والقوانين التي تطبقها البلدان التي يعيشون فيها هي من (التعددية) التي ارادها الله، والتي ينبغي احترامها: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة».ا

(عن جريدة الشرق الأوسط)

vendredi 3 août 2007

صيف غزة 2007

عيون واذان («سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم...»)ا

جورج بوش دمّر نظرية العنصريين عن تفوق الرجل الابيض، وزميل لنا دمر نظرية داروين لأن من غير المعقول ان يمثل ملايين السنين من النشوء والارتقاء.ا

لا أعرف صحافياً ينطبق عليه الكلام السابق، غير ان هوايتي ان أجمع ما أسمع في مجالس النميمة الصحافية، وقد تجمّع لي قدر كاف أضعه في تصرف القراء للاستعمال وقت الحاجة، مع تأكيدي قبل أن أكمل انني لست على خلاف مع احد، باستثناء المحافظين الجدد.ا

كان الزميل زاهي وهبي سألني في برنامج «أحلى الناس» رأيي في عدد من الصحافيين، الا انه بدأ ببعض العمالقة من نوع غسان تويني ومحمد حسنين هيكل، ثم أكمل بزملاء من «الحياة» و «الشرق الأوسط» هم أصدقاء شخصيون أحبهم وأحترمهم، فلم تقم مشكلة، ولكن خفت ان يكمل بآخرين، فاقترحت ان يكتب الأسماء على ورقة لأستطيع ان أبدي رأيي بحرية، الا انه لم يفعل.ا

المقابلة أعادتني الى يوم كنت مع زميلين في مقهى فندق فينيسيا في بيروت وانضم إلينا رجل أعمال ثقيل، ذكّرني بشيء في القرآن الكريم «سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم...» واتسعت الجلسة، وأنا أردد لنفسي «ويقولون خمسة سادسهم كلبهم»، وأيضاً «ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم...» وفي القرآن الكريم أيضاً «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة...».ا

أبقى مع ما هو أليف أو لطيف، وهناك بيت شعر جميل هو: حمار في الكتابة يدّعيها/ كدعوى آل حرب في زياد. ويستطيع القارئ اذا شاء ان يستبدل الصحافة بالكتابة، ويستقيم الوزن والمعنى.ا

وفي ظرف مما سبق بيت شعر يقول: كحمار السوء إن أشبعته/ ركل الناس وإن جاع نهقْ.ا

وأقول مرة ثانية قبل أن أكمل انني لا أتحدث عن ناس حقيقيين، وإنما أهاذر القارئ بنقل بعض ما جمعت على مدى سنة تقريباً.ا

بعض الناس شكله غلط، ويجب ان يمنع من مغادرة بيته في ضوء النهار. وكنت أعرف واحداً من هؤلاء ساعتي المقاومة للصدمات صدمت لرؤيته. وكنت عندما رأيته أول مرة اعتقدت انه أصيب في حادث سيارة، وسألت هل أصيب ناس آخرون معه.ا

رأيت واحداً من هؤلاء يوماً وفكرت أن من المؤسف أن والدته لم تفكر في أخذ حبوب منع الحمل. اليوم اكبر خوف عندي انه قد يتزوج ويأتي بأولاد مثله.ا

ماذا أريد؟ هو أفضل حجة لتبرير قتل الرحمة.ا

في مجالس النميمة سمعت التالي:ا

- عنده 30 مشنفة تحمل كل واحدة منها اسم الفندق الذي سرقها منه.ا

- ذهب الى الجامعة ليدرسوه.ا

- دماغه مثل اينشتاين... توفي سنة 1955.ا

- الفارق بينه وبين لص أن اللص لا يعد بأن يرد لك الفلوس التي يسرقها منك.ا

- أمهر من وضع يده في جيوب الآخرين.ا

- لا ينتحر لأنه يعرف أن كثيرين سيسعدون لغيابه.ا

- استقال فلم ينتبه أحد لغيابه.ا

- لا يقبل فكرة جديدة ولو وضعتها له في سندويش قريشة مع عسل من شتورة.ا

- كثير الكلام؟ الساعة تغيرت الى التوقيت الصيفي وهو يحكي.ا

أتوقف هنا لأقول انني وجدت قراء كثيرين يحبون قصصاً من التراث، وهناك كثير منها يناسب ما نحن فيه اليوم، وعن الناس عموماً من كل المهن، ومعهم العاطلون عن العمل.ا

وكان شاعر قديم قال: انت يا هذا ثقيل/ وثقيل وثقيل... انت في المنظر انسان/ وفي الميزان فيل.ا

وقرأت قصيدة قديمة عن ثقيل أهدى رجلاً جملاً، ثم زاره وبقي عنده حتى ضاق به وأخيراً قال له في مطلعها: يا مُبرِما أهدى جملْ/ خذْ وانصرف ألفي جمل. ويكمل وهو يعد ضيفه بأكياس الطعام والسلاح والعبيد والدنيا كلها شرط ان يرحل الثقيل، ويختتم قائلاً: يا جبلاً من جبل/ في جبل فوق جبل.ا

يكفي شعراً، فأعود الى بعض الناس من زملاء وغيرهم، والى واحد منهم لا أصدقه ولو قال: صباح الخير، فقد وجدت ان لكل خبر يكتبه جانبين، جانب هذا الكاتب والحقيقة.ا

وكانت هناك امرأة، من خارج مهنة الصحافة، أو أي مهنة، سمعت كلاماً قاسياً عن أخلاقها ودافعت ما أمكنني، إلا أن النقد استمر. وفي النهاية مالت عليّ سيدة جالسة بقربي وشكرتني على موقفي ثم همست: تعرف، أنت دافعت عن شرف هذه المرأة اكثر مما فعلت هي.ا

غير انني بدأت بجورج بوش وكيف دمر نظرية تفوق الرجل الابيض، وأريد ان أعود اليه وكيف دمّر نظرية ثانية جديدة.ا

مجلة «العِلْم» نشرت في عددها الأخير دراسة شملت 240 ألف رجل نروجي تبين منها ان الابن الأكبر يتمتع بمعدل ذكاء أعلى من بقية أخوته.ا

جورج دبليو بوش هو أكبر أخوته، واذا كان هو الأذكى بينهم، فالآخرون، مثل جيب ونيل ودوروثي، متخلفون عقلياً، الا انهم ليسوا كذلك. ومحافظ فلوريدا جيب مثلاً مشهور بذكائه، فلا يبقى الا ان جورج الابن دمر نظرية تفوق الابن الأكبر، مع كل نظرية أخرى تقاطعت طرقه معها.ا


ومن بوش الى ألف بوش، فقد سمعت رجلاً يشكو من انه لا يقبض المرتب الذي يستحق، وفكرت انه لو قبض ما يستحق فعلاً لمات من الجوع.ا

ومثله الذي انتحى بي جانباً يوماً، وقال انه يريد ان يحدثني حديثاً من القلب الى القلب. وعندما بدا عليّ الاستغراب سألني لماذا، وقلت لم أكن أعرف ان عندك قلباً.ا

ثم هناك الفيلسوف الذي قال ان الرجال الطيبين نوعان: واحد لم يولد بعد والآخر مات. وسألناه: أي النوعين هو.ا

أخيراً، أعرف رجلاً لو كانت ثروته أخلاقه لما دفع ضرائب في حياته.ا


جهاد الخازن "الحياة" - 13/07/07//

عيد الحب



"عائض القرني"


نحن في الإسلام لا نحتاج إلى عيد حب؛ لأن المفروض أن تكون أيامنا كلها حبٌا في حب، فلماذا يخصص يوم
واحد فقط للحب؟ إن معنى ذلك أن بقية الأيام قابلة أن تكون أيام كراهية؛ فنحن نحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونحب الوالدين والأهل والأبناء والأصدقاء والشمس والقمر والهواء والماء والبرتقال والتفاح وكل شيء جميل بديع مباح، ولكن الذين خصصوا يوماً للحب جعلوه مهرجاناً باهتاً سمجاً بلا روح ولا رسالة، فهم مهتمون بإهداء الحب للقطط الوديعة والكلاب الأليفة، بينما قنابلهم تحصد الأطفال والشيوخ وتهدم المنازل والجسور في العراق وفلسطين وأفغانستان، إن من يجعل يوماً للحب عليه أن ينـزع من ذهنه فكرة العلو في الأرض والهيمنة على البشر والانفراد بالقرار والاستبداد السياسي، فليس في الناس من له دم أزرق والبقية دماؤهم حمراء مستباحة، وقد انتقلت إلينا في الشرق عدوى «عيد الحب» فتجد الزوج الظالم المفترس يحمل باقة زهور في «عيد الحب» ليهديها لزوجته التي نكّل بها وأذاقها الأمرّين، وتجد الأصدقاء يهدي بعضهم بعضا بطاقات المعايدة في «عيد الحب» وهم متقاطعون متباغضون، لكنه التقليد الأجوف والتشبه الأرعن، لا بد أن نجعل السنة كلها سنة حب من أولها لآخرها؛ فنحب الله ونؤمن به ونطيعه ـ سبحانه ـ، ونحب رسوله صلى الله عليه وسلم ونتبعه ونهتدي بهداه، ونحب الوالدين فنبرَّهما ونرضيهما، ويحب الرجل زوجته فيعاملها برحمة ومودة وإنسانية، وتحب المرأة زوجها فتعيش معه في وفاء وصفاء واحترام، ويحب الأب أبناءه فيتلطّف بهم ويربيهم تربية حسنة، ويحب الإنسان إخوانه في الإنسانية فيرعى حقوقهم ويجتنب الإساءة إليهم، ويحب الحاكم شعبه فيرفق بهم ويعدل فيما بينهم، ويحب الشعب الحاكم فيجمع الشمل عليه ويطيعه في طاعة الله، أما أن نخادع أنفسنا بيوم الحب وهو يوم بدعي لا أصل له، فهذا من ضعف البصيرة وعقم الرأي وسُقم المزاج، الحب ممارسة عملية وأخوّة إنسانية وليست شعارات زائفة ومظاهر خدّاعة.ا
(عن جريدة الشرق الاوسط)

المشروبات الغازية ترفع مسببات أمراض شرايين القلب والسكري





الرياض: د. حسن محمد صندقجي


أكد باحثون من الولايات المتحدة أن تناول المشروبات الغازية، بأنواعها، هو سبب في الإصابة بمتلازمة الأيض (التمثيل الغذائي)، أحد عوامل خطورة الإصابة بمرض السكري وأمراض شرايين القلب. ولم يقتصر الضرر الصحي على تناول المشروبات الغازية المحلاة بالسكر والعالية المحتوى من طاقة السعرات الحرارية، بل شمل أيضاً الأنواع من نوع الـ«دايت». وهذا ما يُثير القلق حول دور المكونات الأخرى بتلك المشروبات في التسبب بالسمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الأنسولين في الدم وغيرها من مظاهر حالة متلازمة الأيض.ا
ووجد الباحثون أن تناول عبوة أو أكثر يومياً من هذه المشروبات، مقارنة بمن يتناولون أقل من عبوة يومياً، أدى إلى أنهم أصبحوا أكثر عرضة بنسبة 31 في المائة للإصابة بالسمنة، وبنسبة 30 في المائة لزيادة محيط وسط الجسم، وبنسبة 25 في المائة لزيادة نسبة الدهون الثلاثية في الدم، وبنسبة 25 في المائة لارتفاع نسبة سكر الدم عند تحليله بعد الصوم لست ساعات، وبنسبة 32 في المائة لانخفاض نسبة الكولسترول الثقيل في الدم. وقال البروفسور راماشاندران فاسان، من كلية الطب بجامعة بوسطن، إن الباحثين كانوا حتى اليوم لا يزالون يفترضون أن العلاقة بين تناول المشروبات الغازية وأمراض شرايين القلب هي بشكل رئيسي نتيجة لوجود السكريات بكميات عالية في الأنواع العادية المُحلاة بالسكر. لكننا صُدمنا، على حد قوله، بأن الحقيقة هي أن لا فرق بين تناول أنواع الـ «دايت» وبين تناول الأنواع العادية منها، لأن علاقة ارتفاع الإصابات كانت موجودة عند تناول كليهما.ا
(عن جريدة الشرق الأوسط)

يطمحون إلى اعتراف بالحاجة اليهم ... المُدوّنون المغاربة يكتسحون المجتمع الافتراضي للعرب!! ا


المغرب - نادية بنسلام الحياة - 13/07/07//


من مسيرة للمدوّنين المغاربة


بسرعة هائلة، اكتسح المغاربة مجتمع المُدوّنات الإلكترونية (بلوغرز Bloggers) على شبكة الإنترنت. وكذلك بزّوا عدداً من أشقائهم العرب، بمن فيهم السعوديون الذين كانوا الرواد الأوائل في اقتحام فضاء الـ «بلوغرز» قبل أن تتراكم أمامهم جحافل المُدوّنين المصريين. ويحتل المُدوّنون المغاربة حالياً الصف الثاني عربياً على موقع «مكتوب.كوم» Maktoob.com الذي يعتبر من أكبر الساحات الرقمية في مجتمع المُدوّنات العربية. ويتقدم موقع «البلوغرز» المغاربة باضطراد، خصوصاً إذا أضيف إلى هذه الجيوش أصحاب المدونات المستضافة على مواقع ومنصات باللغة الفرنسية، والتي تشكل ما يربو على 90 في المئة من مجموع المُدوّنات المغربية.ا


السعي لاتحاد عربي للبلوغرز

خلال مدّة لم تتعد 4 سنوات، لم يكتف المُدوّنون المغاربة بمراكمة كمّ كبير من الصفحات الإلكترونية، بل راكموا معها حصيلة نوعية، مكنتهم من البروز في مسابقات دولية لاختيار أحسن المُدوّنات، والفوز بجوائزها أو التأهل لتصفياتها النهائية. لكن أهم من هذا وذاك، انتقل هؤلاء المُدوّنون بأعمالهم نوعياً، فتجاوزوا مرحلة امتلاك صفحات إلكترونية يستعملونها كوسيلة متطورة للتعبير عن الرأي بحرية وسهولة، إلى التفكير في جعلها وسيلة للتأثير في الرأي العام. وتفسر طبيعة المدونات المغربية (على الأقل تلك الناطقة باللغة بالعربية) ومجالات اهتماماتها، سبب الانتقال إلى هذا المستوى من التفكير «حول» المُدوّنة، بعد أن تركز العمل في البدايات «في» المُدوّنة بحد ذاتها.ا

وبالنظر إلى طغيان فئة الشباب، تبدو شخصية المُدوّنين المغاربة عموماً شخصية جادة، تحرص على التواصل مع محيطها الافتراضي اللامحدود بحس ملتزم قانونياً و «موضوعاتياً» وحتى لغوياً. إذ تندر في تلك الصفحات الالكترونية الكتابة بالعامية المغربية، كما تتمركز الكتابة حول يوميات الحياة الخاصة، ما يشير إلى ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي للمُدوّنين.ا

وعلى غرار مجتمعات تدوين عدة ذات ريادة عربياً في الأردن ومصر والسعودية، استجاب عدد كبير من «البلوغرز» المغاربة لدعوة المدوّن المغربي المعروف سعيد بن جبلي، وأطلقوا مبادرة لتأسيس اتحاد يضمهم، ويعبر عن مواقفهم حيال القضايا التي تشغلهم في عالم التدوين المغربي. وفي مدوّنته على الانترنت، يشير بن جبلي الى تفاؤله بمستقبل ذلك الاتحاد، مشيراً الى أن المبادرة لقيت ترحيباً من عدد كبير من المدونين. كما يحرص على الاشارة الى وجود «معارضة من فئة محدودة جداً لا تتفق على تحويل التدوين الإلكتروني إلى مؤسسة» ( أو «مأسسة التدوين» كما يسميه أنصار الاتحاد)، بدعوى الحفاظ على التدوين باعتباره «ممارسة فردية وتلقائية غير خاضعة لأي إطار».ا

وفي المقابل، يرى المتحمسون لرؤية الاتحاد مؤسسة ذات وجود و «نفوذ» في مشروعهم وسيلة للدفاع عن مصالح المُدوّنين ورعاية حقوقهم في التعبير والتواصل وتبادل الخبرات والتجارب، عبر تنظيم ندوات ودورات تكوينية ومحطات تواصلية تساهم في الرفع من جودة التدوين.ا

وكذلك ينظرون الى الاتحاد باعتباره فرصة للإسهام في تطوير الإعلام الالكتروني في المغرب. ولعل أكثر ما يراود المُدوّنين المغاربة هو أن يبلغ هذا المشروع نجاحاً يمكنهم من أن يصبحوا ذات يوم «سلطة خامسة» موازية للسلطة الرابعة (الصحافة) التي يشكل العاملون فيها منبعاً أساسياً لهذا النوع من النشاط الرقمي. ومن أشهر المدونين الذين جاؤوا الى «البلوغرز» من عالم الصحافة، الزميل رشيد جنكاري الذي كانت مدونته وراء إقالة مسؤول متورط في فساد مالي أخيراً.ا
صفحة تبرز اهتمام «بلوغرز» المغرب بالسياسة وشؤونها


السياسة حاضرة بقوة

ويبدو ان مسيرة الألف ميل نحو تشكيل لوبي في العالم الإلكتروني بدأت مع عشرة مدونين التقوا في الدار البيضاء، ووضعوا الخطوط العريضة لـ «مؤسستهم». ويزمع هؤلاء على معاودة اللقاء قريباً لعقد الجمع التأسيسي الذي من المقرر أن يشهد ميلاد أول اتحاد مغربي في العالم الافتراضي. وإلى أن يحين ذلك الموعد، انخرط أعضاء المبادرة التأسيسية في إنجاز بعض المهمات الأساسية بالنسبة إليهم.ا

«شاركوا في إطلاق مبادرة «يوم التدوين من أجل الأقصى» التي تركت صدى إعلامياً مهماً ولاقت إقبالا كبيراً من المدونين»، بحسب ما أكّد للـ «الحياة» المُدوّن بن جبلي الذي كان أول عضو مغربي في النواة الأولى التي شكلت أول اتحاد للمدونين العرب برئاسة الدكتور السوري الأصل محمد شادي كسسكين. وكُلّف بن جبلي (28 سنة، مجاز وتقني في المعلوماتية)، بالإشراف حينذاك على موقع الاتحـاد الذي يضم حالياً أكثر من ثلاثمئة عضو جمعهم نقاش إلكتروني حول القضية الفلسطينية في إحدى مناسبات ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.ا

وأدلى المدونون أنصار الاتحاد المغربي بدلوهم في مبادرة أخرى لجمع التواقيع على بيان تضامني مع المواقع التي تتعرض للحجب أو المنع في المغرب، وضمنها موقع «يوتوب» المتخصص في تبادل أفلام الفيديو القصيرة، وموقع «جريدة الشباب» الإلكترونية، وموقع «جماعة العدل والإحسان» المحظورة. ويلاحظ أن تلك المواقع المحجوبة إنما استهدفت بسبب السياسة.ا

وفي المقابل، تجدر الاشارة الى أن السياسة ليست الموضوع المسيطر على المُدوّنات المغربية، التي تتزايد أعدادها باضطراد، وبنسبة قاربت العشرين في المئة سنوياً. ولا شيء يمنع أن تحضر قضايا الشأن العام، سياسية واجتماعية وثقافية وحقوقية، في جل المُدوّنات، بل يمتد النقاش الساخن إلى علاقة التدوين بالانتماء السياسي، نتيجة ظهور نوع من الاستقطاب السياسي بين هؤلاء الكُتّاب الالكترونيين. كما تحتضن صفحات «البلوغرز» المغاربة شكاوى المواطنين الذين يواجهون مشاكل مع السلطات والإدارة، ما يساعد المُدوّنين في استقطاب اهتمام الرأي العام، وإيجاد موطئ قدم في هرم السلطة المعنوية.ا

وراهناً، يجرى التفكير بجدية في الموقع المعنوي والرمزي الذي يجب أن تناله صفحات المُدوّنين. وفي هذا السياق، نظّم ستة من المُدوّنين الرقميين، في نهاية الشتاء الفائت، قافلة جابت مدناً مغربية للتعريف بالتدوين الالكتروني وأهميته ودوره في المجتمع وتبادل التجارب، ولاستقطاب أعضاء وأنصار جدد يعززون نمو هذا المجتمع الافتراضي. ولم تقصر القافلة نشاطها على اللقاء بالشباب، بل تعاملت أيضاً مع مؤسسات عمومية لبلوغ مسعاها، مثل البرلمان والإذاعة والتلفزيون، وبعض الشخصيات العامة والحزبية، ما انعكس لاحقاً سخونة في النقاش حول الخشية من أن تتحول المُدوّنات الالكترونية أبواقاً حزبية.ا

ومع علمهم بضآلة تأثير المُدوّنات الرقمية حتى الآن خارج حدود العالم الافتراضي، يطمح «البلوغرز» المغاربة إلى نيل اعتراف مؤسسات المجتمع بوجودهم والحاجة إليهم. ولذا، يتوقع سعيد بن جبلي نجاح مبادرة إنشاء الاتحاد وحصوله على وزن ودور حيوي في المجتمع المغربي، لأن «أغلب المدونين مثقفون، ولأن المستقبل للشباب وللصحافة الرقمية في أجلى صورها، وهي المُدوّنات الالكترونية...».ا

mercredi 1 août 2007

عيون وآذان (العرب عادة يتبعون مصر)ا

أعتقد أن جورج برنارد شو هو الذي قال ان الاغتيال أقصى درجات الرقابة، وعلى هذا الأساس فالرقابة الصحافية في العراق هي الأشد في الشرق الأوسط والعالم، فمنذ بدء الحرب الأميركية على العراق في آذار (مارس) 2003، وحتى حزيران (يونيو) الماضي قتل في العراق حوالى 120 صحافياً، أو ما يزيد في تقديري على الذين قتلوا في بقية العالم مجتمعاً. ومثل العراقيون أكثر من ثلاثة أرباع جميع الصحافيين الذين قتلوا في العراق.ا

القتل في العراق هو البضاعة الرائجة الوحيدة، ولا أعرف ان كان الصحافيون قتلوا هناك لأنهم صحافيون، وهذا سبب كافٍ، أو انهم راحوا ضحية المقاومة والارهاب وقوات التحالف، أي القوات الأميركية، فلجنة حماية الصحافيين قالت في تقرير أخير لها ان القوات الأميركية قتلت 14 صحافياً في العراق، الا انها لم تجزم بأن القتل كان متعمداً. في حين أنني لا أجزم بدوري، الا أنني أرجح ان القوات الأميركية استهدفت «الجزيرة» وبعض محطات التلفزيون المحلية المعارضة للاحتلال. ويعود أكبر عدد من الضحايا الى شبكة الميديا الحكومية العراقية نفسها، فحتى الشهر الماضي قتل 14 صحافياً من العاملين فيها، وعشرة موظفين آخرين يساندون عمل الصحافيين.ا

ولعل أسوأ ما في موضوع قتل الصحافيين العراقيين انه سيستمر ما استمرت كارثة الحرب وذيولها، فالأرقام السابقة ليست كاملة، وكنت وأنا أجمعها قرأت أن أربعة صحافيين عراقيين قتلوا في الأسبوع الأخير من أيار (مايو)، فلم يبدأ حزيران حتى قتل اثنان آخران. وأخشى ألا تنشر هذه السطور إلا ونكون سمعنا عن ضحايا آخرين من بين الصحافيين العراقيين. ولا أنسى أن أزيد على أرقامهم حوالى 40 ضحية من العاملين في مساعدة الصحافيين أقدر أنهم قتلوا منذ احتلال العراق.ا

يفترض ألا تكون الصحافة في العراق خاضعة لرقابة حكومية، ويفترض أن تحمي القوانين حرية العمل الصحافي، غير أن حكومة نوري المالكي أغلقت محطتي تلفزيون السنة الماضية لنشرهما صور تظاهرات احتجاج على اعدام صدام حسين، وهددت بإغلاق محطات تلفزيون أخرى وصحف بتهمة التحريض على العنف، أو عرض مشاهد عن أعمال عنف، أي ان الحكومة تريد منع العراقيين من رؤية التدمير اليومي لبلدهم. وتستطيع الحكومة العراقية التوكؤ على قوانين من أيام صدام حسين، لم تلغ بعد، تمنع إهانة المسؤولين وكشف أسرار الدولة.ا

ربما كان العراق يمثل أسوأ مظاهر معاناة الإعلام العربي، وقد بدأت به بسبب القتل، غير أن الحريات الصحافية ناقصة الى معدومة في جميع البلدان العربية.ا

آخر تقرير سنوي شامل لدار الحرية، وهي مؤسسة اميركية تعنى بشؤون الحرية حول العالم، يعود الى عام 2005، وقد صدر السنة الماضية، وهناك تقارير دورية لاحقة، تظهر استمرار الوضع على حاله في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، فالتقرير العام يشمل 194 دولة منها 19 دولة في الشرق الأوسط (ليست بينها تركيا)، وهو يظهر ان دولة واحدة حرة هي اسرائيل، وان دولتين حرتان جزئياً هما لبنان والكويت، وان 16 دولة غير حرة. وهكذا تمثل إسرائيل خمسة في المئة من منطقة تضم 350 مليون نسمة، ولبنان والكويت 11 في المئة، والبقية 84 في المئة، أي 84 في المئة من دون حرية.ا

أستطيع أن أغلف ما سبق ببعض السكر، من دون أن أتجاوز الحقيقة، فالتقرير يظهر أن جميع الدول العربية في النصف الأول من القائمة كلها، والدولة العربية الأخيرة في قائمة الشرق الأوسط هي ليبيا، ومركزها التاسع عشر، الا انها تحتل الرقم 96 من أصل القائمة الكاملة التي تمثل 194 دولة، واذا شئت أن أزيد فهناك ست دول عربية أخرى تحتل مراكز في الثلث الأول من القائمة العالمية.ا

وكما يرى القارئ فإنني أحاول أن أخرج من جلدي الصحافي لأتحدث بموضوعية عن الحكومات، فأزيد نقطة هامشية على سبيل تخفيف الوطأة هي أن على الفلسطينيين أن يشكروا الأخ العقيد ونظامه في ليبيا شكراً كثيراً على خدمة غير مقصودة لهم، فاحتلال النظام الليبي المرتبة التاسعة عشرة والأخيرة في قائمة الحريات الصحافية في الشرق الأوسط، أعفى الفلسطينيين من هذا «الشرف»، لأن الأراضي الفلسطينية تحتل المرتبة الثامنة عشرة، ولولا ليبيا لكانت الأخيرة أو «الطّشْ» كما كنا نقول للطلاب المقصرين في المدرسة.ا

العراق في قائمة الشرق الأوسط يحتل المرتبة الحادية عشرة، وهذا جيد لولا أن دماء الصحافيين تلطخ المرتبة الوسطية هذه، فدار الحرية تعنى بالممارسة الصحافية، ومدى الحرية المتاحة، وهنا لا يبدو العراق أسوأ من غيره.ا

التضييق على الصحافة يعني أن عـند الحكومة، ما تريد اخفــاءه، غير ان هـذا شبه مسـتحيل في زمن ثورة الاتصالات والانتـرنت والمدونات والفضائيات. والتضييق في هذا العصر لم يعد يكـتم المعلومات وانما يؤدي الى نشرها مشوهة أو مبالغاً فيها، ويوقع بالحكومة المعنية ضرراً أكبر مما لو سمحت بنشرها.ا

أرجو أن تعي الحكومات العربية هذه الحقيقة، وأرجو أن تقود مصر، أم الدنيا، حملة اطلاق الحريات الصحافية كاملة، فالعرب عادة يتبعون مصر، وقد تبعوها في خطأ تأميم الصحافة، فلعلها تعوض عن أخطاء الجميع بتحرير الصحافة من قيودها وتتبعها الدول العربية مرة أخرى. وأكمل غداً.ا
جهاد الخازن" عن جريدة "الحياة" - 18/07/07//ا"

jeudi 19 juillet 2007

تأملات في إرث الرفيق أنور

alt=""id="BLOGGER_PHOTO_ID_5088920578836637602" />


"سمير عطا الله"

عدت منذ أيام إلى تصفح كتاب الرفيق أنور خوجا «سكرتير حزب الشغيلة الألباني» بعنوان «تأملات حول الصين». وكنت قد اشتريت الكتاب المؤلف من جزأين، كل منهما في 826 صفحة، من سوق الخضار في «كان» الصيف الماضي بثلاثة اورو، على ما أذكر.ا

وتغطي «التأملات» عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وفي 826 صفحة زائد 826 صفحة، كان لحاكم ألبانيا همّ واحد: أن يثبت أن ماو أصبح أكثر انحرافا عن مبادئ الثورة الشيوعية من الاتحاد السوفياتي. وأن ماو تظاهر بالخلاف الآيديولوجي مع موسكو، لكنه في حقيقة الأمر كان يريد احتلال سيبيريا!.ا

وفي 826 صفحة زائد 826 صفحة كان الرفيق أنور يريد أن يثبت أنه الشيوعي الوحيد وجميع الآخرين انحرافيون. وقد عرفت الآن لماذا لم يكن في كل ألبانيا سوى بضع سيارات، ولماذا عاشت الناس على عربات تجرها الثيران، ولماذا عندما سقط النظام لم يكن الألبانيون قد رأوا معلبات السردين والتونة من قبل. وقد وصلت الزميلة هدى الحسيني إلى تيرانا موفدة من «الشرق الأوسط» ومعها حقيبة من المعلبات أهدتها إلى موظفي الفندق وصحافيي الوكالة الرسمية وآخرين، رأوا في علب السردين قفزة غذائية.ا

كان الرفيق أنور مأخوذا بمهمة تاريخية لا تؤجل: إثبات رجعية الصين وانحرافية الكرملين. ومن أجل ذلك لم يغلق باب مكتبه على نفسه لينصرف إلى «التأملات»، بل أغلق أبواب ونوافذ وثقوب ألبانيا. ولم يكن مهما على الإطلاق أن يأكل الشعب أو أن يقرأ أو أن يفكر أو أن يتأمل. لقد حول ألبانيا إلى قبر بارد بلا سقف. وكانت الإذاعة الوحيدة تردد تأملاته والصحيفة الوحيدة تنشر تأملاته والمكتبة الوحيدة تملأ رفوفها بأفكاره ومجادلاته وهرر الكلام.ا

لا أدري كم هو مجموع الأعوام التي ضاعت من عمر وتاريخ وحياة الشعب الألباني. لكن لو رأى سكرتير حزب «الشغيلة الألبان» ماذا يحدث في الصين وفي روسيا، اليوم، لانصرف إلى وضع عشرة مجلدات كل منها في 826 صفحة. الصينيون الذين لم يعرفوا سوى الدراجات يصدرون السيارات إلى العالم. ويشترون الطائرات الحديثة بالعشرات. ويذهلون العالم بنسبة النمو. والانحرافيون الروس يتولون الذهول الباقي. وكلاهما، الرجعي والمنحرف، يتقدم بسرعة هائلة إلى يوم يتخطى فيه أميركا وأوروبا. وقد يكون ذلك قبل أن ينتصف القرن الحالي.ا

لقد ضاع عمر قارات وأمم في اللغو. وكانت روسيا السوفياتية ضعيفة وفقيرة لدرجة أن هتلر همّ بمضغها. كما حاول نابوليون أن يلتهم روسيا القيصرية. وروسيا اليوم دولة صناعية عاصمتها هي الأكثر غلاء في العالم. وصحيح أن بعض الشعب يدفع الثمن لكن ليس كل الشعب وكل الناس وكل الأجيال.ا

(عن جريدة الشرق الأوسط)
القاعدة النكتة تقول: من لم يعلمه أبوه علمته الأيام والليالي.. ولم نكن نعرف أن الأيام والليالي هي الأبناء...ا
"أنيس منصور"
(عن جريدة الشرق الأوسط)

mercredi 18 juillet 2007

باكستان بعد اقتحام المسجد الأحمر

تحذير من الصبغة الحمراء الملونة للنقانق والبرغر












عامل يقطع اللحم المفروم (رويترز-أرشيف)ا


أوردت صحيفة ذي تايمز تحذيرا من الإصابة بالسرطان من جراء استخدام الصبغة التي تعطي النقانق الرخيصة لونها الطازج.ا

وقالت إن الصبغة التي تستخدم أحيانا في تلوين لحم البرغر والنقانق هي المقصودة من التحذير.ا

وأشارت إلى إعلان هيئة سلامة الأغذية الأوروبية أمس أنها لن تستطيع ضمان حد يومي آمن لمستهلكي اللحوم التي تحتوي على الصبغة الملونة "أحمر 2 جي"، المعروفة أيضا باسم إي 128.ا

وأشارت الصحيفة إلى تصريح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بأن التحقيقات كشفت أن الصبغة استخدمت أساسا في بريطانيا وإيرلندا، لكن لم يعرف مقياس الاستخدام.ا


وأضافت أن صبغة "أحمر 2 جي" هي جزء من عائلة أصباغ "آزو" المستخلصة والمعدلة من القار الأبيض والتي ارتبطت بالسرطان سنوات عدة.ا

ودعت الصحيفة على لسان أحد المسؤولين، في هيئة استشارية مستقلة في مجال سلامة الأغذية، إلى حظر الصبغة، حيث إنها توضع في اللحم ليبدو جيدا وهو نيئ.ا

ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن الصبغة المذكورة، التي تستخدم عادة في تلوين المذيبات والزيوت والشموع والبترول وورنيش الأحذية، ممنوعة من السلسلة الغذائية.ا

وأشارت إلى أن الدول التي تمنع فيها الصبغة "أحمر 2 جي" هي النرويج والسويد وفنلندا والنمسا والولايات المتحدة وكندا واليابان وسويسرا وأستراليا.ا
المصدر: الصحافة البريطانية

(خدمة الجزيرة نت)

jeudi 12 juillet 2007

...
ليس كل حوار يجلب النتيجة, لكنه بالتأكيد لن يكون بدون جدوى, وبمعنى آخر نتائج الحوار ليست بالتأكيد إيجابية لكن عدم وجود الحوار بالتأكيد شيئ سلبي. والحوار السياسي يُظهر وجوهاً عديدة للحقيقة التي نبحث عنها.ا

يطرح البعض-وفيه شيء من المنطق- أنه كيف يُمكن أن يجد لغة واحدة من خدم النظام سنوات طويلة مع من قبع في سجون النظام سنوات طويلة؟ كيف يمكن للشيوعي أن يجد لغة حوار مع عضو الإخوان المسلمين؟ العلماني مع المتدين؟ من يبحث عن جنة في السماء مع الذي يعمل لبنائها على الأرض؟
أسئلة فيها شيء من المعقولية, لكنني أعتقد أن الأكثر معقولية ومنطقية هو إن كان هذا الحوار وهذه اللغة المشتركة تساهم في خدمة الوطن والشعب فإنني أجدها ضرورية, لكنها تحتاج لشجاعة كبيرة أكبر من شجاعة التصدي للنظام وسياسته!...ا


"د. فاضل الخطيب"
(عن موقع العربية نت)

mardi 10 juillet 2007

تحديث العقلية العربية الإسلامية...ضرورة ملحة




كثيراً ما تعرض أركون في مؤلفاته ومقابلاته لموضوع الحداثة، سواء داخل الفكر الأوروبي، أو الفكر العربي الإسلامي. وكان دائماً يقيم تمييزاً بين التحقيب الزمني لتاريخ الفكر في كلتا الجهتين. فنحن عندما كنا حداثيين أو عقلانيين إبان العصر الذهبي للحضارة العباسية والأندلسية، كانت أوروبا تغطّ في نوم عميق: أي في ظلمات العصور الوسطى. وعندما استيقظت أوروبا في القرن الثاني عشر وترجمت علوم العرب وفلسفتهم وأخذت تنهض، ابتدأنا نحن نجمد ونتوقف عن العطاء الحضاري. وبالتالي، فالتقسيم الأوروبي لتاريخ الفكر لا ينطبق علينا نحن. فهم يقسمونه إلى ثلاثة عصور أساسية هي: العصور القديمة اليونانية ـ الرومانية، فالعصور الوسطى، فالعصور الحديثة. والأولى انتهت عملياً في القرن الخامس للميلاد، وأما الثانية فاستمرت حوالي ألف سنة، أي حتى القرن الخامس عشر للميلاد، في حين أن الثالثة لا تزال مستمرة منذ عصر النهضة، وحتى يومنا هذا.ا

ولو طبقنا هذا التقسيم الزمني علينا لرميت كل مرحلة الإبداع الحضاري من تاريخنا في ظلمات العصور الوسطى، وذلك لأن حضارتنا أشعَّت على العالم طيلة القرون الهجرية الستة الأولى، أي بين القرنين السابع والثاني عشر الميلادي. وهي فترة العصور الوسطى والظلامية العقلية بالنسبة لأوروبا المسيحية.ا

هكذا نلاحظ أنه ينبغي عدم تطبيق التقسيم الأوروبي على الحضارات الأخرى بشكل ميكانيكي. لكن يبقى صحيحاً القول إن الحداثة الأوروبية تجاوزت بإنجازاتها العلمية والفلسفية والتكنولوجية إنجازات كل الحضارات السابقة بما فيها الحضارة العربية الإسلامية. فطب ابن سينا لم يعد طبنا، وكيمياء جابر بن حيان لم تعد الكيمياء الحديثة، وقل الأمر ذاته عن الفيزياء، وعلم الفلك، والبصريات، وغير ذلك.. هناك سنوات ضوئية تفصل بين العلم الحديث وعلم أرسطو أو العلم العربي الذي تلاه. فما حصل من تقدم طيلة الأربعة قرون الماضية في أوروبا، شيء يتجاوز الخيال. والفلسفة العربية الإسلامية، أي فلسفة الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد.. لم تعد هي فلسفة كانط أو هيغل أو ماركس..ا

لكن أركون يفرق أيضاً بين نوعين من الحداثة: الحداثة المادية، والحداثة العقلية. والأولى تعني تحديث الوجود اليومي للبشر على صعيد الأكل والشرب واللباس والمسكن وتنظيم المدن والشوارع.. إلخ. وأما الثانية، فتعني تحديث الفكر نفسه، أي تحديث العقليات ونظرتنا إلى العالم والشعوب الأخرى. لكن هذا التمييز لا يعني الفصل بين الجانبين، على الأقل في ما يخص التجربة الأوروبية للحداثة. فهناك حصل تساوق بين التحديث المادي للوجود البشري وبين الحداثة الفكرية. وعلى هذا النحو جاءت الحداثة الأوروبية مكتملة أو متكاملة: أي تمشي على عكازين لا عكاز واحد. فالتقدم كان على الصعيد المادي والفكري في آن معاً.ا

أما عندنا وبالأخص في المجتمعات البترولية المحافظة، فقد حصل تناقض صارخ بين الحداثة المادية والحداثة الفكرية. فقد استطاعوا إدخال أحدث الآلات والمخترعات التكنولوجية إليها بفضل السيولة المالية. لكن في ذات الوقت، حصلت مقاومة شديدة للتحديث الفكري، وبخاصة في ما يتعلق بالدين وتقييم الماضي. ونحن الآن ندفع ثمن هذه الحداثة المبتورة، أي التي تمشي على عكاز واحد. ولو أن التحديث شمل كلا الجانبين الفكري والمادي، لما شهدنا كل هذا الانفجار الرهيب للحركات الأصولية المتزمتة. وبالتالي، فتحديث العقلية العربية الإسلامية أصبح ضرورة ملحة الآن، بل ولا يقل أهمية عن تحديث الزراعة أو الصناعة أو قطاع الخدمات والمشافي وغير ذلك من جوانب الحياة اليومية.ا

لقد حصل عندنا نوع من انفصام الشخصية أو الشيزوفرينيا، نتيجة إدخال السيارات والطائرات والآلات وإبقاء العقلية القديمة على حالها. وهكذا أصبحت حياتنا اليومية مليئة بمظاهر الحداثة المادية، لكن عقليتنا تنتمي إلى العصور الغابرة!. وأكبر خطأ وقعنا فيه هو أننا اعتقدنا بإمكانية استيراد التكنولوجيا والسيطرة عليها دون أن نجري أي تغيير على تراثنا الفكري. والواقع أن التكنولوجيا الغربية لا يمكن فصلها عن العقلية التي أنتجتها. وهي عقلية علمية وفلسفية وليست لاهوتية أو محافظة. فأوروبا عندما كانت أصولية مسيحية طيلة ألف سنة لم تستطع أن تنتج العلم والفلسفة والمخترعات التكنولوجية. ولو لم تنفصل عن العقلية المتزمتة لظلت متخلفة. والشيء الذي حصل بعد الاستقلال والذي ندفع ثمنه الآن، هو أن التيار المحافظ انتصر بشكل أو بآخر. وفرض إرادته ومنع إدخال الحداثة الفلسفية إلى ساحة الفكر الإسلامي. وهكذا ظلوا يدرّسون الدين في المدارس والجامعات كما كانوا يفعلون في العصور الوسطى! لقد أرادوا تحديث كل شيء ما عدا الفكر الديني. والآن نعود إلى نقطة الصفر من جديد لكي نواجه أكبر مشكلة في تاريخنا الحديث بعد أن أجبرتنا الحركات الأصولية على ذلك. فالعالم كله أصبح يركز أنظاره علينا ويطالبنا بالتحديث والتجديد وتغيير برامج التعليم. فنحن ورثة تراث عريق وكبير هو التراث العربي الإسلامي. لكن ماذا فعلنا له؟ هل خدمناه بالدراسة العلمية والمنهجية كما فعل مفكرو أوروبا مع تراثهم المسيحي؟ هل جددناه حقاً ونفضنا غبار الأزمنة المتطاولة عنه؟ هل حاولنا التوفيق بينه وبين الحداثة العلمية والفلسفية كما فعل ابن رشد في وقته؟ أبداً لا. لقد اكتفينا بتحنيطه وتبخيره وتبجيله.ا

وبالتالي، فأول شيء ينبغي أن نفعله للخروج من المأزق هو تأسيس مراكز للبحوث والترجمة في شتى أنحاء العالم العربي بمشرقه ومغربه. فالمكتبة العربية لا تزال فقيرة في المراجع الفكرية الموثوقة. لا توجد عندنا كتب عن تاريخ الأديان مثلاً، أو عن علم الاجتماع الديني، أو عن النظرة إلى الدين من زاوية تاريخية محضة. توجد عندنا فقط النظرة التبجيلية أو التواكلية التسليمية الموروثة أباً عن جد منذ مئات السنين. وهذه لم تعد كافية. إنما ينبغي أن نضيف إليها النظرة العقلانية. وإلا فلا يمكن أن نصبح حداثيين فعلاً. وهذا لا يعني التخلي عن ديننا وتراثنا العظيم. أبداً، أبداً. إنما يعني فهمه بطريقة أخرى والنظرة إليه بعيون جديدة. إنها تعني عقلَنته أو اكتشاف العناصر العقلانية فيه وتنميتها وتطويرها والبناء عليها.ا

فالواقع أن الخط العقلاني طمِس في تراثنا بعد موت ابن رشد، أو قل انحسر وتضاءل. وسيطر علينا طيلة عصور الانحطاط، التيار التقليدي والتكراري الاجتراري الذي يرفض الإبداع بحجة أنه بدعة خطرة على العقيدة!ا

هناك طريقة أخرى للخروج من المأزق التاريخي الذي يواجهنا حالياً. فبالإضافة إلى ترجمة أمهات الكتب الأوروبية، يمكننا تأسيس كليات جديدة لتدريس تاريخ الأديان المقارن مثلاً. وهكذا تتوضح الأمور عن طريق المقارنة بين عدة تراثات دينية لا تراث واحد. وعندئذ نصبح أكثر انفتاحاً وتسامحاً بعد اطلاعنا على تراثات أخرى غير تراثنا الذي تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا. وهكذا نثبت أنه يوجد فهم آخر للدين ورسالته السامية غير الفهم المتزمت أو المتطرف الذي يسيطر على قطاعات واسعة من مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فالمعاهد التقليدية وكليات الشريعة لا ينبغي أن تحتكر بعد الآن تعليم الدين. إنما ينبغي أن تنافسها عليه كليات حديثة ككلية الفلسفة وعلم التاريخ وعلم الاجتماع، بل وحتى علم النفس.ا

كل المناهج العلمية وكل المصطلحات الحديثة ينبغي أن تستخدم لدراسة تراثنا العظيم المتراكم منذ أربعة عشر قرناً كما يفعل أركون في كتبه وأبحاثه. كلها ينبغي أن تُطبق عليه لإضاءته من الداخل بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. وعندئذ نفهم معنيي التراث والحداثة؛ معنى الأصالة ومعنى المعاصرة. وأما قبل ذلك، فلا. عندئذ نضيء التراث عن طريق الحداثة، والحداثة عن طريق التراث.ا

هذه هي المعركة الفكرية التي تنتظرنا في السنوات القادمة، والتي يتوقف على نجاحها أو فشلها مصيرنا ومستقبلنا. لكن بشائر الفكر الجديد ابتدأت تظهر في الأفق والحمد لله. وأصبحنا نسمع عن مصادرة هذا الكتاب أو ذاك من قبل التقليديين. وهذا ليس شيئاً سلبياً بحد ذاته، إنما دلالة على صحة الفكر العربي وعافيته وحيويته. فالواقع أن التقدم لن يحصل إلا بعد مناوشات ومصادمات عديدة بين الفكر القديم والفكر الجديد. وقد سمعنا أخيراً بمصادرة كتاب «الخطاب والتأويل» للمفكر المصري المشهور نصر حامد أبو زيد. لكن المؤسف هو أن الشخص الذي طالب «الأزهر» بمصادرته كان محسوباً على المجددين حتى أمد قريب في ساحة الفكر الإسلامي. إنه الأستاذ محمد عمارة، الذي طالما حقق كتب التراث القيّمة ومن بينها كتب ابن رشد رائد التيار العقلاني في الفكر العربي الإسلامي. أقول ذلك وأمامي على الطاولة كتاب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» بتحقيقه الممتاز. فيا ليت الاستاذ عمارة استفاد من سماحة فكر ابن رشد واتساع منظوره ولم يمارس الرقابة على كتب المجددين الذين يمشون على خطى فيلسوف الإسلام الكبير نفسه.ا

"هاشم صالح"
(عن جريدة الشرق الأوسط)

ابتذال اللغة الإعلامية




في البدء كانت الكلمة. الإنسان كائن متكلم. الكلمة أداة لتبادل المعرفة والتجربة بين الناس. الكلمة شكلت اللغة. ثم كانت اللغة الأساس التاريخي لبلورة ثقافة كل أمة وشخصيتها.ا

الكلمة شرف كبير. أن تقول يعني أن تصدق. الكلمة وعد وعهد. الكلمة عقد شفهي بين الدولة والمجتمع. الدولة تتعهد بأن تضمن الأمن والعدل، في مقابل خضوع المجتمع للنظام والقانون. إذا اختلت هذه المعادلة حدث التذمر، فالتمرد، فالثورات.ا

مع ولادة السياسة كأداة لإدارة الناس، صعدت قيمة الكلمة كواسطة لتفاهم الدولة السلطانية مع رعاياها. باتت الكلمة لغة التوجيه والإرشاد. كان أول وزير للإرشاد هو ذاك الناطق باسم السلطان. ينزل الى الأحياء والأسواق حاملاً جرساً يقرعه ليجمع الناس. يبلغهم «فرمانات» الدولة، ووجوب الامتثال لها، ثم يدعوهم الى الدعاء للسلطان بالنصر وطول العمر.ا

مع بدايات عصر التنوير والثورات البورجوازية، ظهر منافس خطير لـ «وزير الإرشاد» السلطاني. استغل الخطيب السياسي سحر الكلمة. الخطابة فن إعلامي قديم. كان خطباء الإغريق يضعون حصاة في الفم، ثم يخرجون الى البحر ليتدربوا على الخطابة أمام صخب الأمواج (الجماهيرية).ا

عند العرب، «خير الكلام ما قل ودل». فـ«البلاغة الإيجاز». العرب قوم سحرتهم الكلمة والفصاحة. لعل الحجاج بن يوسف الثقفي أحد أخطب خطباء العرب. كان لسانه يضاهي سيفه. كان العراق كعب أخيل الدولة الأموية. يخاطب الحجاج أهل العراق: «يا أهل الشقاق والنفاق، إنّي والله لأحزمنّكم حزمَ السَلَمَة (رزمة العصي) ولأضربنكم ضرب مواجع الإبل...» الحسرة اليوم تملأ القلب والنفس. ما زال في العراق الحبيب أهل وأبناء عمومة للشقاق والنفاق!ا

بلغ تأثير الخطابة السياسية ذروته في القرن العشرين مع تقدم الإعلام الإلكتروني. كان لينين خطيبا مُفـَوَّهاً. لكن هتلر كان أخطب خطباء القرن، وربما التاريخ كله. يخطب النقَّاش النمسوي الآتي من خنادق الحرب العالمية الأولى. تصيبه الرجفة. يهتز. يعرق. ينفعل. بسحر الكلمة الخادعة، أيقظ هتلر حلم الوحدة الجرماني. ساق عشرات الملايين بالفاشية كالقطعان إلى خنادق الحرب العالمية الثانية.ا

أصاب بريق الكلمة الفاشية العرب بالعدوى. صافح لاعب الكرة بيار الجميل هتلر في دورة برلين الأولمبية عام 1936. مسته كهرباء الرجفة. طلق الكرة واحترف السياسة. عاد بيار الى لبنان ليؤسس حزب «الكتائب اللبنانية». ثمة صحافي أكثر ثقافة من لاعب الكرة استعار آيديولوجية هتلر «القومية الاجتماعية»، «فأبدع» حزباً فاشياً آخر (الحزب السوري القومي الاجتماعي). كان المصري أحمد حسين أذكى من الجميل وأنطون سعادة. أسس حزباً فاشياً (مصر الفتاة) وأخفى فاشيته وميليشياه متستراً بوطنيته المصرية.ا

لست بحاجة الى التوسع في الحديث عن الفاشية العربية. فقد تحدثت عن الأحزاب الثلاثة مراراً وتكراراً هنا في «الشرق الأوسط» وفي مطبوعات أخرى على مدى العشرين عاماً الماضية. قيل لي إن كتاباً صدر في مصر منذ مدة بقلم أكاديمي مصري عن الموضوع ذاته. لا أدري ما إذا كان المؤلف قد نوّه في كتابه بالسابق الى الحديث، أم أنه «اكتشف» وحده علاقة الوصل والربط.ا

عندي كلام كثير عن فن الكلمة السياسية العربية لا مجال لسرده كله هنا. أكتفي بالقول إن لبنان كان مغارة الخطباء. وكان أفصحهم وأخطبهم ساسة ورجال دين مسيحيون. أين منهم «فشكلة» كلام ساسة لبنان اليوم الذين لا يجيدون لغة أمتهم؟!ا

لكن أخطب العرب في القرن العشرين اثنان: سعد زغلول وعبد الرحمن الشهبندر. قال لي الراحل فتحي رضوان أول «وزير إرشاد» لدى عبد الناصر: «لقد استمعت الى الاثنين. صاحبكم الشامي كان أخطب من خطيبنا المصري». بهر الشهبندر الطبقة المثقفة المصرية عندما راح يحاضر في منتديات قاهرة العشرينات والثلاثينات عن العروبة والاشتراكية والماركسية. كان كل ذلك جديداً على وعي المثقفين المصريين، ومتقدماً على فكر سعد زغلول المتوفى في عام 1927.ا

من حسن حظ أعداء العروبة أن عفلق والبيطار لم يكونا خطيبين أو محدثين بارعين. كنت أجلس في دمشق وباريس طويلاً الى البيطار. لم يكن الرجل أحياناً كثيرة ينبس بكلمة. خرج عبد الناصر بالخطابة من فصحاها. كان أول زعيم عربي يستغل الإعلام الإلكتروني (المذياع / المايكروفون) الذي لم يكن متاحاً لزغلول والشهبندر.ا

لست أبالغ إذا قلت إن شعبية عبد الناصر تركزت في تأثير كلمته الإلكترونية ولهجته المصرية المحببة ودعوته القومية. ثم ما لبثت الخطابة الشعبوية (الإثارة العاطفية) أن توارت أمام لغة إعلامية أكثر هدوءاً، حتى لدى عبد الناصر الستينات عندما نضجت تجربته، وبعدما تكسرت النصال على النصال في الجسد المثخن بالجراح.ا

مع إفلاس الماركسية كنظام سياسي، أفلست لغة الآيديولوجيا الخشبية. تراجعت الناصرية. لم يبق من بعث العراق وسورية سوى هيكل عظمي. فقد ابتلعته الطائفة والعشيرة والعائلة وعبادة الشخصية. لكن ما زالت لغة الخمسينات التنظيرية سائدة في الإعلام السوري، وفي خطاب بشار وتصريحاته السياسية المطولة.ا

كنت أخال أن تؤدي أسلمة السياسة الى تهذيب اللغة الإعلامية، وتحصينها بأخلاقية دينية. حدث العكس. اقرأ واسمع الخطاب السياسي الديني. خمسة آلاف موقع في الانترنت لمؤسسات ومنظمات ورجال دين ودعاة ووعاظ. حروب بالكلمات. فتاوى متناقضة. اتهامات متبادلة. سباب بأقذع الشتائم. إرشادات لاستعمال الأسلحة. دروس في التفخيخ بالمتفجرات. حض على التكفير والكراهية وقتل الناس بالجملة.ا

بعقلية إرضاع الموظفة زميلها في الغرفة، تفكر وتتصرف المؤسسة الدينية التقليدية في حلفها مع الدولة. بهذه العقلية وبرضى الدولة وصمتها، فرضت المرجعية التقليدية رقابتها ووصايتها على لغة الإعلام والأدب. تمنع. تحرم. تحلل، فيما كتب وتسجيلات اجتهاد القرون الوسطى وتفسيره المتزمت البعيد عن منطق العصر تباع في كل زاوية ومكتبة بلا رقابة. بعد ذلك تشكو الدولة من هيمنة «الإسلام الجهادي» على العقل الاجتماعي.ا

إسفاف العمل السياسي أدى إلى ابتذال لغة الإعلام. سقطت مصداقية الكلمة. تدهور مستوى التحليل. اقرأ صحف المعارضة المصرية. اسمع تصريحات الساسة والناطقين الرسميين في العراق ولبنان وفلسطين. لكل منهم روايته، ولرفضه وتجاهله الرأي الآخر.ا

في هذا الصخب الفارغ، يستحيل التوصل إلى التسوية. يستحيل عليك أن تستخلص الحقيقة من أشداق الساسة ورجال الدين السنة والشيعة في العراق، ومن التراشق الإعلامي في لبنان، ثم من عشرات الناطقين باسم فتح وحماس.ا

أضرب مثالا واحدا. دفعت حماس بـ31 ألف موظف «حماسي» الى التظاهر في الشارع مطالبين بمرتباتهم. يبدو الطلب محقا. لكن هل كانت السلطة التي تئن تحت نير الاحتلال والحصار والديون، وتعيش عالة على المنح الدولية والعربية، بحاجة إلى 31 ألف موظف جديد، بينهم 23 ألف رجل أمن لحراسة حكومة حماس، إضافة إلى 150 ألف موظف «فتحاوي» بينهم ما لا يقل عن سبعين ألف رجل أمن لحراسة سلطة عباس؟

تسخير الإعلام لمجافاة الحقيقة والواقع لا يقتصر على الساسة والدولة. المواطن العادي أيضاً يشارك. قال المتقاعد الفلسطيني جميل العشّا: «العربي في العالم الغربي يُداس، ولا أحد يسأل عنه». إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا أرسلت ابنك الطبيب بلحيته الشاردة وهوسه الديني الواضح في صوره وهيئته الى العمل في «بلاد الكفار»؟ أعيش في الغرب وأعمل منذ أكثر من ثلاثين سنة. نعم، هناك تعصب. لكنْ، هناك عدل. لا أدين ولا أتهم سلفاً. لكن المحروس نجلك في عهدة قضاء عادل لا تسيره الدولة، قضاء يستجلي الحقيقة في بلد يعمل في مستشفياته العامة تسعون ألف طبيب عربي وأجنبي ومسلم إلى جانب 150 ألف طبيب بريطاني. العرب لا يداسون بالأقدام في الغرب. إنها الحقيقة التي نشوهها وندوسها بالأقدام في الشرق.ا


"غسان الإمام"
(عن جريدة الشرق الأوسط)
...
أمريكا ليست مقدسة في المغرب، وأنا أنتقدها في خطبي، وقد سبق لي أن انتقدتها في خطبة جمعة قبل 6 أشهر، واستدعاني رئيس المجلس العلمي المحلي الحبيب الناصري وحذرني من مغبة العودة إلي مهاجمة
أمريكا بهذه الصيغة: أمريكا ما شي شغلك وهي صديقة للمغرب...ا

عبد العالي الفذي، خطيب الجمعة الموقوف بالمغربة، بعد خطبة معادية للسياسة الامريكية
10/07/2007
(عن جريدة القدس العربي)

dimanche 8 juillet 2007

قمة الثروة وقاع الفقر



"سمير عطا الله"

انفضت القمة الأفريقية في أكرا، غانا، بالنتائج المألوفة. مجموعة من الخطب وصور تذكارية تتكرر بأصحابها، لا أوضاع القارة تتغير ولا هم يغيرون أو يتغيرون. ولم توافق الدول الأعضاء على حكومة اتحادية ولا على جيش اتحادي من مليون عسكري. وجاءت النتائج في مستوى التوقعات. وعاد الأفارقة كل إلى حروبه وإلى دوله المفككة وإلى الأنظمة المتمادية في تدمير القارة ووأد آمالها وتشريد شبابها على أرصفة أوروبا وفي طرقات العالم العربي.ا

لقد قال حاكم عربي ضاحكا ذات يوم، إن الأفارقة سوف يطمرون ويغرقون إيطاليا. ويكاد ذلك يتم. لكن في هذه الأثناء اغرقوا بلده وتحولوا إلى مشكلة سياسية وإنسانية ربما كان حلها مستحيلا. إن بعض الدول العربية، الواقعة في أفريقيا أو في آسيا، تتحول إلى مجتمعات عنصرية تشبه ما كانت عليه أميركا قبل إلغاء التمييز العنصري. وقد خرج الأمر عن قدرة الدول على معالجة الوضع. وأدت زيادة الهجرة غير الشرعية إلى مواقف وسلوك من الصعب أن تضبطها الحكومات مهما كانت حسنة النية. فاليأس الذي يحمله الأفارقة معهم يجعلهم يتحملون كل شيء، شرط عدم العودة إلى حالة الفقر والظلم القائم في بلدانهم.ا

لا تبدو أفريقيا في حاجة إلى المزيد من العسكر أو إلى حكومة تجمع الحكومات القائمة. إنها في حاجة إلى أن تقلد، قدر المستطاع، شيئاً مما حققته القارة الآسيوية، التي كانت مثلها غارقة في قاع الفقر والتفسخ وأشرس الحروب. وهي في حاجة إلى مصانع ومدارس وجامعات وليس إلى ثكنات تنهب الناس وتشعل القارة حروباً بلا نهاية. وفي حاجة إلى مؤسسات تصهر القبلية القاتلة، فلا تعود القارة مسرحاً دموياً دائماً من الكونغو إلى السودان إلى سيراليون إلى ليبيريا إلى الصومال إلى الحبشة إلى سواها. إن ثلاثة أرباع القارة ـ على الأقل ـ مغطى بنوافير الدم التي لا تنقطع. وثلاثة أرباع العواصم خالية من الطرقات المعبدة والمستشفيات الصالحة والمدارس المؤهلة. وفي الماضي كان الاستعمار يسرق الناس ويترك لهم الفتات. فيما الحكم الوطني لا يترك للناس ما تقتات. فمعظم الثروات والمناجم معرضة للنهب الوطني المنظم بعدما كانت تنهبها الشركات الفاجرة في الماضي.ا

ليس في أفريقيا كلها سنغافورة أو صين أو ماليزيا أو هند أو اندونيسيا أو عُمان. هناك أنظمة لا تخجل ولا تستحي بالفقر الذي تتخبط فيه شعوبها. وهناك شعوب لا تحاسب، بل تحمل أحزانها وفقرها وتخرج إلى أرصفة الأرض مشردة في المذلتين: ذل الوطن وذل الغربة. وفي مثل هذه الحالات من اليأس والتقهقر ينمو حقد داخلي لا حدود لقباحته، كما حدث في رواندا، أو ترضخ الناس لحكم من نوع نظام زيمبابوي، حيث يربح الرئيس كل شيء حتى أوراق اليانصيب ويضرب معارضيه بالهراوات ويملأ إدارته بأفسد أهل البلد وأكثرهم شذوذا ويغرق البلد في أسوأ أنواع التضخم.. ثم يعوض ذلك كله بتأميم بضع مزارع يملكها رجال بيض.ا

(جريدة الشرق الأوسط)

vendredi 6 juillet 2007

لا خلاص للبنان إلا بمؤتمر محلي إقليمي غربي مسؤول

تحيط بلبنان ثلاث جهات تحدد مصيره: الجزء البري الأطول: سوريا والأقصر إسرائيل والثالث البحر. الذي يعني الغرب البعيد القريب، أما الجهة الرابعة فليست سوي سماء الله الواسعة
كما أن التقسيمات الطائفية المتداخلة فيما بينها علي مستوي ثماني عشرة طائفة تتزايد مع الزمن وتزيد من حدة الصراع بينها علي أرضه. سياسة لبنان مع الخارج ـ كسياسة أي بلد ـ يحدّدها وضعه الداخلي، الكثرة الكاثرة من هذه التجمّعات البشرية تتنازع فيه المواقع والمكاسب دون شفقة. لكل منها علاقته مع المحيط الخارجي المباشر وغير المباشر. سوريا تعتبر البلد امتداداً طبيعياً لها. لئنْ غدا دولة مستقلة فلأنّ القرار كان قرار سايكس بيكو الذي ملّحته المارونية السياسية وباركته الأمم المتحدة والجامعة العربية.ا
إنسحاب سورية بالقوة ـ شحطاً علي وجهها ـ سبَّبَ لها مرارة لن تنساها وهذا ما شكل شغلها الشاغل منذ ذلك الوقت للبحث عن طريقة تعيدها إلي أندلسها المفقود. فقد كانت محنة سورية قبل منتصف السبعينات في القرن الماضي تتلخص في أنها لا تستطيع القبض علي لبنان ولا تركه ـ نظراًً لأن كل تغيير سياسي في سورية كان يُطبخ في بيروت ـ أما بعد ذلك التاريخ فقد اكتشفت سورية وسيلة للسيطرة علي البلد فسادت فيه ومادت ثلاثين عاماً. لكأنَّ البلد غدا محافظة جديدة لها ولا ينقصها الا اختيار تاريخ لضمّه نهائياً ولم يكن في بالها أو بال سواها بأن الأرض ستنخسِف من تحت أقدامها فجأة بمصرع الشهيد رفيق الحريري الي داخل حدودها التي انطلقت منها.ا
لبنان تعتبره سورية عتبتـها بل مصطبتها علي العالم ولو خُيّرت سورية ـ حسب تصوري ـ بين ان تكسب العالم وتخسر لبنان لفضلت خسارة الأول وعدم خسارة الثاني. وسورية بعد تعثر فريق الرابع عشر من آذار ـ تماسكت من جديد بعد ان استوعبت صدمة الانسحاب واستفاقت منها واستقوت بشكل أو آخر بجماعة الثامن من آذار الممثلة بالعشرات من الذين خسروا مقاعدهم ومصالحهم في بلد المرام والجاه والمنفعة بامتياز، بالاضافة الي الحلفاء السابقين والطارئين. يعني نجاح السلطة القائمة بالنسبة لسورية ـ نجاح قيام الدولة اللبنانية أي نجاح المؤسسة العسكرية في بلاد الأرز في السيطرة علي الأرض وتشكيل قوة رادعة في وجه الخارج والداخل في نفس الوقت، وهذا ما سيكون في المحصلة انتصاراً للغرب حيث يُجسد لبنان بابه نحو المنطقة. وهكذا يبدو لبنان مركز أو منتصف الاتجاهين المتعاكسين من الشرق إلي الغرب ومن الغرب الي الشرق.ا
فالقرار اذن بزعزعة جناح السلطة الحاكم، والمحاولات ـ بطبيعة الحال ـ لا تعرف التوقف كما لا تعرف أصحابها، وكلما سقطت الواحدة أعقبتها الأخري. ولذلك تحرّكت عبقريات حلفاء الجيران فانتزعت الجنرال عون وتياره الأقوي في الشارع المسيحي الذي كلف حليفها اللبناني الأقوي حزب الله حوالي أربعين لقاء للتوصل معه فقط الي التفاهم.ا
إنّ أخطر محاولة قامت كانت حوادث طرابلس، والنهر الذي غدا نارياً منذ شهر ونيّف والذي يصعب التكهن بالقضاء القريب عليه رغم سقوطه النظري من الناحية العسكرية ـ ناهيك عن التفجيرات الرهيبة المتنقلة من حي الي حي ومن مدينة الي مدينة ومن طائفة الي أخري والتي يستعصي اكتشافها ، كذلك الاغتيالات النوعية المحكّمة... نضيف علي ذلك ان الخطر المتجول انتقل الي الجنوب الأقصي بعد أن فشل في الجنوب الأوسط.ا
الوجود الإسرائيلي الآن في مرمي الصواريخ من جديد وكذلك قوات الأمم المتحدة، والناس في لبنان تعودوا علي سماع الكذب المُحكم والمفبرك والمُعَلّب سابقاً والذي يحتاج تفكيكه ونزع ألغامه الي الكثير من الوقت والكفاءة المتقدمة. كما أن الفُجر والعُهْر في النفي والإحكام في التفجيرات وعجز السلطة في الكشف تشكل عوامل سلبية تؤدي الي احباط معنويات السكان وإذكاء حركة النزوح من البلد، فمئات الألوف ينتظرون الفرصة المناسبة لدفع حركة التصحير في البلد أكثر فأكثر. فبحسب استقصاء احدي المحطات التلفزيونية : 66 % من شباب البلد 18ـ25 سنة أصبحوا في الخارج والآلاف المؤلفة سيما من المسيحيين ينتظرون الفرصة المؤاتية ليغادروا البلد.ا
الوضع يُدغدِغ المخيلات الغاضِبَة الحالمة بزلزلة الأرض وحسم الأمر فترسم الخطط المبسطة في بلد لا يعرف الا الحقد وتحالفات الليل التي يمسحها النهار بأسرع مما يتصورون، لأن الكثيرين لا يدركون تماما الإدراك تاريخ هذا البلد العجيب الغريب.ا
الذين يريدون اشعال البلد ما يزالون يصرون علي نفي ذلك في لغتهم الاجتماعية اليومية، فحتي ولو كانت قياداتهم بالفعل لا تريد ذلك، فان مئات الآلاف من العاطلين عن العمل والمحرومين المسلحين حتي الأظفار والانياب يتحرقون لإحراق البلد والسطو علي ما يتوقون اليه فيه، وكل الذين يردّدون: ما راح يصير شيء وأكثر ما صار ما راح يصير ، هم قصيرو النظر ستتجاوزهم الأحداث مثلما تتجاوز الرصاصات الطائشـة أضلاع الغافلين، فسذاجاتهم التخطيطية النظرية ستجلب الكوارث علي البلاد والعباد... ذاك ان إيهام الناس بأن الحرب ستكون وطنية ديمقراطية شعبية تشترك فيها الطوائف المنقسمة علي نفسها سياسياً لن يكون له المصداقية المزعومة من قبلهم علي الواقع.ا
أقوي عنصر جامع بشكل عام وان كان سلبياً يبقي العامل الطائفي، لأن الأحزاب اللبنانية بالمفهوم الغربي لم تتجذر في هذه البلاد كما أن العلمانية التي يكررونها كالببغاوات لا يفهمها الناس ولا يُبالون بها كما هو الوضع في تركيا، ولئن ارتدت الصراعات أحياناً الطابع الاقتصادي او الوطني الا انها سرعان ما تنقلب الي صراعات طائفية كالنيران في الهشيم، نظراً لقصر النفس عند الأحزاب العقائدية وطوله عند الطائفيين والاعتياد عليه من قبل العامة كالماء والهواء، ولذلك سيخطيء أصحاب النهج الخطابي أو الديمقراطي الخادع فيقعون في مطبات الموالاة والمعارضة والدولة الواحدة والشعب الواحد باعتبارهم يركبون الطائرات والمركبات الفضائية في الوقت الذي لا يزالون فيه ذهنياًً يركبون البغال والنوق والحمير، كما أن أكبر الأخطار يتجسَّد في تصور البعض بأنه يمثل أمة من المحيط الي الخليج او من المحيط الي المحيطات وعليه يقع الحمل الأكبر والدور الأول لتحرير القارة الأوسع المتشعبة علي سطح الكرة الأرضية، اذ مهما انتفخت النملة فانها لا يمكنها أن تحمل فيلة علي ظهرها وتسير بها الي ما لا نهاية. هناك مدي محدود ومحدد في أي كائن تجاه أي كائن آخر.ا
غير أن لبنان منذ أن كان من آلاف السنين في توحّده وتعدده ـ كان يلعب فيه لاعبون لعبات أكبر بكثير من مستوياتهم وامكاناتهم. والغريب انهم ما تعلموا من الكوارث التي وقعوا فيها وما زالوا يتوارثون الهزائم والمجازر ولا يعتبرون.ا
فكما اعتبر الرئيس السابق شارل حلو (1964ـ1970) الصحافيين اللبنانيين في وطنهم الثاني لبنان وليس في وطنهم الأول الذي ليس سوي المصلحة حتي ولو كانت في الصين، فان نفس المفهوم قد لا يكون بعيداً عن السياسيين (باستثناء البعض منهم) ومن هنا تتحدد النقطة المحورية في تاريخ هذا البلد التي تحتم عدم حرمة واستقلالية الرجل السياسي وعجزه بالنتيجة في أخذ القرارات الكبري بالإضافة إلي نرجسيّة الكثيرين وتنطحهم المرضي الي الرئاسات العليا التي يلوح السيف بها وعليها من الخارج. ومن هنا ليس من المستغرب أن ينام البعض رئيساً ويستيقظ في قرنته كيساً، وإن أي اتفاق قد لا يدوم ساعة بعد إبرامه. ولذلك تعرف الحروب متي تبدأ ولكن لا تعرف متي تتوقف.ا
وكما ان الحزبية لا تصنع صحيفة، فان المركنتيلية لا تبني وطناً، فالوطن بحاجة الي المال والرجال معاً وللوطن الأولوية المطلقة. وهذا ما لم يكنه إلا نادراً جداً ولأمد قصير في تاريخ هذا البلد اليائس التعيس الميؤوس منه. عندما يغدو الوطن سلعة للبيع والشراء فان كل شيء آنئِـذٍ يصبح في مهبّ الريح.ا
كثرة الزعماء في السوق السياسية اللبنانية أكثر بكثير من الذي توفره الفرصة لأية دولة غنية قادرة للتدخل والاعتماد علي أصدقاء، فكأنما اقتصاد البلد ليس التجارة والزراعة والصناعة والاصطياف والعلم والطب والسياحة، بل الاسترهان للدول الوافدة وذلك في وضع المئات والآلاف من العاطلين عن العمل والفقراء طوعياً تحت تصرفهم للقتال وفي أي مكان وضد أي انسان كان... وليس من الغريب والحالة هذه أن تكون عبارة حبيبي نافعني هي القاعدة الأولي المتوارثة بين الناس في بلد الأرز حتي أيامنا. ولا يزال الاستقواء حتي ولو بالشيطان هو القانون المستمر منذ القدم، فالهزيمة ممنوعة ... وإن كان لا بد منها فلتكن مع الموت حتي لا يري صاحبها انتصار غريمه.ا
وجه لبنان السياسي الفعلي حكماً ومعارضة يتمثل بالحريري، جنبلاط، جعجع، الجميل وأنصارهم، ومن جهة ثانية، بنصر الله، عون، ارسلان، فرنجية ومشايعيهم، وهؤلاء الزعماء من الفئتين لهم وزنهم الطوائفي ولئن غلفته الأردية الحزبية المرسومة عليها الشعارات والمفردات كالحرية والديمقراطية والاشتراكية والعلمانية والأمل والله.ا
يأتي بعد ذلك الوجه العربي المؤثر: (السعودية ومصر) والعربي الاسلامي: (سورية وايران) يتلوهُ الوجه الأوروبي الغربي: (فرنسا، انجلترا، المانيا ،ايطاليا واسبانيا) والأميركي: الولايات المتحدة. فالصراع يتجسد اذن بين جانبين علي طاقين او ثلاثة. والحل لا يكمن ان يتأتّي إلاّ من خلال الحوار والتنسيق بين طرف كل طاق مع طاق الفريق الآخر وبموازاته وبمشاركة الأطراف الغربية مع الفريقين لتقريب وجهات النظر وان لا فسنبقي ندور في الحلقة الجهنمية المفرغة.ا
ومن هنا لا تزال تفشل كل الاجتماعات علي الصعيد المحلي والعربي ، فالمسألة لبنانية اقليمية دولية والحل بأيدي أصحاب العلاقة المتصارعين فكل مؤتمرات الجامعة العربية أو (المانعة من الجمع) و بظهرها مؤتمر مكّة باءت بالفشل والولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بنجاحها وهذا ما أشار إليه السفير الأميركي في بيروت بطريقة أو بأخري، وهذا ما يُشبه ما حصل بين أمريكا وفرنسا في حرب السبعينات اللبنانية ـ اللبنانية بالقرن العشرين حينما علّق المندوب الفرنسي في مجلس الأمن الدولي بقوله: ان المشروع الأميركي لا يختلف في جوهره عن المشروع الفرنسي فأجابه المندوب الأميركي: علي الفرنسيين أن لا يتدخلوا فيما لا يعنيهم. إنها لغة المُعطيات القووية علي الأرض وليست مسألة مزاج أو حبّ أو كره اذ يستحيل أن يكون حلّ دون رضا سورية أولاً وإيران ثانياً، وان لا فالمحنة ستسمر، ومن سيكون الحلّ علي حسابه، فانه لن يكون مستعجلاً اطلاقاً علي توفير شروط النصر للخصم فهو من أنصار دوام الأزمة.ا
سيكون اجتماع جديد في باريس للبنانيين تحت الرعاية الفرنسية في منتصف تموز لمحاولة ايجاد حلّ للمعضلة والرابح فيها سيكون دون أدني شك ـ السياحة الفرنسية كما كان نفس الوضع في سويسرا بجنيف و لوزان قبل مؤتمر الطائف، وكي لا يضيع الوقت وقبل أن يتصحر الوطن أو يحترق) يجب أن لا ننسي المناورات الاسرائيلية في الجولان والنّقب ودور باراك المحتمل في حرب إسرائيلية قادمة علي حزب الله وسورية وايران بالتنسيق ـ علي الأرجح ـ مع الولايات المتحدة، فاسرائيل لا تستطيع ان تنام علي هزيمة لأنه سينكفيء مبرِّر وجودها القائِم علي الزخم المندفع في جميع الاتجاهات. فالاستكانة او السلام يعني الموت الكامن لإسرائيل. علينا مواجهة الواقع وجهاً لوجه لا مجانبته. فوجوب عقد المؤتمر المقترح في أية عاصمة كانت هو ضرورة لا غني عنها للخروج بحل يحفظ الكرامة للجميع قبل فوات الأوان وانخساف المكان.ا
الحلّ يبدأ في دمشق وحدها لا سواها، فلبنان مفتاح المنطقة، أما سورية فهي بابها... حتي ولو استلزم ذلك تأخير اقامة المحكمة الدولية بعض الوقت واجراء بعض التعديلات الممكنة عليها... لأنّ مواقف النظام السوري تؤكد أكثر فأكثر ما أكدته البارحة وقبلها بأن المحكمة الدولية تشكل باب جهنم بالنسبة لنظامها، وكل ما صدر منها من تصريحات وتلميحات وتمويهات وتشكيل لجنة تحقيق برئاسة إمرأة ثم ابدالها برجل دون الوصول الا الي الفراغ، وكذلك عدم قيامها بكشف أية عملية كعملية الحريري (في الوقت الذي كانوا مسؤولين فيه عن الأمن في لبنان) ناهيك عن التهديد (علي مستوي رئاسي) بتجسير النار بين المتوسط وقزوين.ا
كل هذا لا يبشـِّر إلاّ بكسر العظم بين الحريرييـن والأسديين. كما أن هناك أطرافاً تسعي بلا شك الي الحسم القاتل باسم القانون الدولي وباسم الثأر الشخصي أو العائلي المعتمد علي القانون. مؤتمر عالمي (علي هذه الصورة) لن يكون عاجزاً عن تأمين حلّ عبقري لتنسيق العلاقات التي لا بدّ منها بين سورية ولبنان لتجنيب البلدين فوضي جهنمية تأكل الأخضر واليابس... لأن التاريخ يُرينا دائماًً توفر الحلول اذا ما توفرت النوايا الصادقة.ا
كما أنه يجب أن لا يغيب عن الأذهان بأن سورية كدولة منذ قيامها لا تستطيع ان تتصور وجود قوات دولية أو حتي لبنانية علي طول الحدود بينها وبين الدولة اللبنانية، ولئن وافقت عليها في عام 1958 فلأن الضغوط الدولية لم تدع لها مجالاً من التنصّل، ولكن هذا ما منعها من استمرار التنسيق بينها وبين اطراف ما يُسمـي ثورة 58 الوطنية وتأمين ما يحتاجونـه كأن شيئاً لم يكن، فالتداخل بين البلدين الأراضي والبشري وطول الحدود (مئات الكيلومترات) تطلب عشرات الآلاف بل مئاتها من الجنود والمعدات والطائرات بالاضافة الي ميزانية ليست بالبسيطة في وقت تعاني فيه الأمم المتحدة من العجز والدين الماديين اللذين لا يتوقفان.ا
أما اذا كان هناك قرار استراتيجي أميركي ـ اسرائيلي متخذاً بعرقنة المنطقة إلي أمد غير مسمي في حمي فوضي خلاقة توفر عليهما استخدام القنابل النيترونية للسيطرة علي المنطقة بعد أن تكون فرغت من شبانها عبر العقدين القادمين) فان كل أصوات العقل في العالم ـ في حالة كهذه ـ ستكون عاجزة عن منع حصول المواجهات العبثية في المنطقة التي تكون قد انتقلت من نظرية كيسنجر الحروب العربية ـ العربية بين الدول بعد حرب التحرير عام 1973 وانتقالها الي حرب الطوائف والعشائر فيما بينها وضمن هيكلية الدولة الواحدة. وفي حالة كهذه ستضيع وتتضعضع الممانعة أو المقاومة الوطنية لهذا السيناريو الرَّهيب.ا
وإذا كانت السياسة فـنّ الممكن، فلماذا نريد من النظام السوري المستحيل الذي لا يستطيع تقديمه؟
إنها ليست المرة الأولي التي نتهم فيها سورية (بغضّ النظر عن صحة الاتهام أو عدم صحته) فلقد كانت اليد التي أهدت الي الشهيد انطون سعاده مسدسها هي نفس اليد التي سلمته الي راميهِ بالرصاص قبل الفجر. كذلك علينا ان لا ننسي موت الشهيد الآخر فرج الله الحلو تحت التعذيب في أواخر الخمسينـات وتذويب جسده المقطع بالأسيـد لإخفاء معالم الجريمة التي وضعت عبد الناصر العظيم أمام الأمر الواقع الذي لم يأمر به ولكنه اضطر الي نفيه رغم الإحراج ـ كرجل دولة ـ بشكل متواصل، لأنه ـ شاء أم أبـي ـ يعتبره الجميع المسؤول الأول، ولا نريد أن نطيل السرد فانتحار أو استنحار الزّعبي كرئيس وزراء سوري سابق وغازي كنعان كحاكم سابق للبنان ووزير الداخلية في سورية ما زالا حديثي الزمن. والخبر الأخير (الذي يضع كل حقيقة أمام التساؤل)، وقع علينا منذ يومين وهو الاستجابة لإعادة محاكمة الليبي عبد الباسط المقراحِي المُدان بتفجير طائرة البانام فوق اللوكربي باسكوتلنـدا عام 1988 والتي عرفت تحقيقات لا نهاية لها ومحاكمة ملحمية شهيرة عام 2001 قضت بتبرئة زميله وحكمه هو بالمؤبَّـد مع التعويض النقدي الي الـ 270 راكباً بثلاثة مليارات دولار أميركية من قبل الدولة الليبية. وقد بدأت تتراكم المُعطيات ببراءة الرجل بعد استئنافه الثاني المقبول مما بدا يُشكِّل عبئاً ثقيلاً علي القضاء البريطاني والدولي وكذلك علي الرأي العام البريطاني والعالمي. وهذا ما يدعونا الي التأمل والاعتبار بأن محاكمة قتلة الحريري لن تكون سهلة وقصيرة علي الاطلاق، بل الأرجح ستكون حبلـي بالمفاجآت التي شهدناها في قضية اغتيال كندي عام 1961 التي لن تتوصل الي نتيجة نهائية عادلة حاسمة.ا
وها هـي الوثائق الأميركية الخارجة من الاعتقال تخبرنا بمحاولة الولايات المتحدة الأميركية كدولة اغتيال كاسترو عن طريق المافيا وهذا ما هو ممنوع في الدستور الأميركي ولا نريد أن نذهب أبعد من ذلك بالإشارة الي لُغز إحراق وإسقاط بُرجيْ منهاتن عام 2001 والذي ليس من المُستبعد أن يكون لطرفٍ ضليعٍ فيه ضلعٌ في مصرع الشهيد الحريري لأن المستفيد أو المستفيدين الأوّلين هما أنفسهما بالذات... فلماذا لا يُحاكم كاسترو أميركا في محكمة لاهاي الدولية لدورها المتعمِّـد في مشروع اغتياله. إننا قد نصير في عين العاصفة او قلبها التي تصورها الرئيس السوري اذا ما قامت قيامة المحكمة الدولية من علي منصّة البند السابع أي في معمعة الفوضي الخلاقة العنيفة التي أرادوها لنا بينما هم يغرفون البترول العربي المحيطي الفيّاض الذي نحن في غنيً عنهُ لانشغالنا بتصفية بعضنا البعض ببربرية لا نُحسـد عليها.ا
إننا نصرّ علي عقد هذا المؤتمر الذي اقترحناه لأن أصحاب القرار سيكونون حاضرين من كل الأطراف المحلية والاقليمية والدولية التي قد يُستحسن اضافة روسيا والصين وتركيا إليها، وفي حال صدور القرارات ستكون القرارات ملزمة لكل الأطراف، لأن اللبنانيين لا يعرفون الاتفاق فيما بينهم، ولئن اتفقوا فسيكون اتفاقهم ترقيعياً مؤقتاً سرعان ما يتفتق بعد قليل ... انهم تعوّدوا السماع الي الأجانب وتنفيذ القرارات التي تأتي من فوق فالفرنجـي عندهم برنجـي.ا
لقد قال أحد المهاجرين اللبنانيين في منتصف القرن العشرين. ما أتعس الحكم في لبنان وما أسعد السكن فيه ، ونحن نضيف بدورنا: ليس أتعس من الحكم في لبنان سوي السكن فيه. فكأن الآذان صبَّت من رصاص أمام صرخة البطريرك: لنتفق قبل أن يتفقوا علينا فيجيب نفسه يائساً حزيناً: من بأيديهم الحلّ والربط ليسوا في لبنان.ا
تقول السانداي تايمـز البريطانية منذ أسبوعين :
إن الحرب المقبلة ستكون كونيّة تبدأ في الشرق الأوسط بخلاف الحربين العالميّتين السابقتين اللتين بدأتا في شرق أوروبا. فهل يسمع أهل الغرب أصواتهم هُـم قبل فوات الأوان أم معنا سيكون الي مجاهل المجهول سائرين؟ ذلك هو السؤال الذي ستجيبنا عليه الأيام أو الأشهر القادمـة.ا

"أحمد منصور"

06/07/2007

(عن جريدة القدس العربي)

jeudi 5 juillet 2007

الارهاب: اجوبة لا يريدون سماعها

لم يسأل محلل او خبير استراتيجي بريطاني، او امريكي نفسه، عن الاسباب التي تدفع طبيبا اردنيا من اصل فلسطيني، متفوقا في تخصصه النادر في جراحة الاعصاب، وآخر عراقيا لقيادة سيارة مليئة بقارورات الغاز والبنزين واقتحام واجهة مطار حيوي في اسكتلندا.ا
نتفق مع البريطانيين الذين بادرونا بالسؤال من جانبهم لماذا يأتي هؤلاء من علي بعد خمسة آلاف كيلومتر الي بريطانيا ويقدمون علي مثل هذه الاعمال الارهابية، بهدف قتل مواطني بلد وفر لهم الوظيفة والتدريب، ولكن من حقنا ان نعكس السؤال ونقول: لماذا يذهب عشرة آلاف جندي بريطاني مسافة خمسة آلاف كيلومتر الي العراق ويحولون هذا البلد الي مقبرة جماعية تضم رفات مئات الآلاف من
الابرياء؟

05/07/2007
(عبد الباري عطوان"(عن جريدةالقدس العربي"

mercredi 4 juillet 2007

مناجاة




يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ، ولا يصفه الواصفون ، ولا
تغيره الحوادث ، ولا يخشى الدوائر ، يعلم مثاقيل الجبال ، ومكاييل البحار ، وعدد الأمطار ، وعدد ورق الأشجار ، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار ، ولا تواري منه سماءٌ سماء ً ، ولا أرض أرضاً ، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره... اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتمه ، وخير أيامي يوم ألقاك فيه.ا

نعوم تشومسكي وأوهام الشرق الاوسط












...
قانون التاريخ هو كالتالي: تتحدد الحقوق علي أساس الإسهامات في حفظ النظام
فالولايات المتحدة، لديها حقوق لا جدال عليها. وأما بريطانيا، فلها حقوق ما دامت تلعب دور الكلب التابع الوفي. وأما أعضاء الواجهة : الحكومات العربية، فلديهم حقوق ما داموا يسيطرون علي شعوبهم، وما داموا يضمنون ذهاب الثراء إلي الغرب. وماذا عن الفلسطينيين؟ إنهم أناس ليس لديهم أي ثراء، ليس لديهم أي قوة. ومن ثم فليس لديهم أية حقوق. إن الأمر أشبه ما يكون بالعملية الحسابية :2+2 = 4 بل إن لديهم حقوقا سلبية، والسبب في ذلك، أن معاناتهم وتشريدهم في مختلف البلاد يثير الإضرابات والمعارضات في بقية أنحاء العالم (ص 67). يصنف الوعي الأمريكي الفلسطينيين، في خانة أولئك الذين: (لا يسهمون في تدعيم نظام القوة) (ص 19). علاوة علي كونهم يسببون في حالة عدم الاستقرار، مثلهم في ذلك مثل الأكراد أو (ساكني العشوائيات في القاهرة) (ص19). نتيجة ذلك، عدم امتلاكهم لأية حقوق.ا
علي الفلسطينيين في أحسن الأحوال وأفضلها، أن يكتفوا بالعيش كما كان الأمر مع سود إفريقيا الجنوبية، داخل الكانتونات ، لأنهم كما قال روث ويس ، في مجلة اللجنة الأمريكية اليهودية : (ليسوا فقط أناسا عديمي الأهمية ، بل هم في الدرك الأسفل، لأنهم يتدخلون في برامج ومخططات أكثر الناس، أهمية في العالم : النخبة الأمريكية واليهود الإسرائيليين (ما داموا يحتفظون بوضعهم ومكانتهم). والفلسطينيون العرب هم أناس يلدون وينزفون دماء، ثم يروجون مأساتهم إعلاميا ) (ص20). ولأن ( الشعوب غير المهمة، مثلها مثل الناس غير المهمة ، يمكنها أن تتوهم بسرعة بأنها مهمة ، الأمر الذي يجب نزعه بالقوة من عقولهم التقليدية) (ص 19)، يضيف إيرفينغ كريستول، أحد المثقفين المحافظين الجدد.ا
أما موشي ديان الشهير، فقد سبق له أن وجه نصيحة حاسمة للاجئين الفلسطينيين، يقول فيها : (ليس لدينا حل، فعليكم أن تظلوا تعيشون عيشة الكلاب. وكل من يأمل في الرحيل فليرحل، وسنري إلي أين ستقودنا هـذه العملية) (ص44).ا
وهو ما حاولته القيادات الإسرائيلية الأولي، بتذويب هؤلاء اللاجئين بين الطبقات الفقيرة في الدول العربية، لكي يواجهوا القمع والموت...ا
(عن جريدة القدس العربي)

dimanche 1 juillet 2007

...
هذه الصفحات هي بقايا دموع. صدى صرخات ترددت بعيداً في نفسي وفي نفوس الآخرين. لها طعم الملح ولسع النار ووخز الإبر وإلحاح الضمير وبريق الأمل. إنها خريطة لأعماقي وليست أعماقي، ولا كل الأعماق واضحة. وأنا دائماً أحاول، دون ملل، أن أوضح نفسي لنفسي، أن أسلط نفسي على نفسي، أن أقلب نفسي بيدي وأتفرج عليها.. برفق كأنني أحبها، وبقسوة كأنني أكرهها.. ومن كراهيتي لنفسي وحبي لها تتساقط الدموع ويتطاير العرق وتتمزق آهاتي وتضيع وأضيع أنا. فأنا لست إلا آهاتي.. الخ
...
"أنيس منصور"
(عن جريدة الشرق الاوسط)

samedi 30 juin 2007

خوف علي الجزيرة ان تصبح تلفزيونا مصريا والنواب يحتشدون من اجل توقيع أنس اخوف علي الجزيرة ان تصبح تلفزيونا مصريا والنواب يحتشدون من اجل توقيع أنس الفقي


تواضع السيد انس الفقي وزير الإعلام المصري، وتعطف علي البرلمان بخطوته المباركة، فقد ذهب إليه مؤخرا بعد ان كان قد تعالي عليه، حيث اعتاد في الآونة الأخيرة علي إرسال مرؤوسيه إليه، ليردوا علي طلبات الإحاطة والأسئلة التي يوجهها بعض النواب، الذين لا يعلمون ان العين لا تعلو علي الحاجب، وان سمو الوزير المفدي ليس كغيره من الوزراء، فهو من ناحية تجسد فيه الحديث القدسي: وعزتي وجلالي لارزقن من لا حيلة له، حتي يتعجب من ذلك أصحاب الحيل.. من أمثالي، وهو من ناحية أخري لم يأت به الي منصبه رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، فهو من اختيار جمال مبارك شخصيا.. حوالينا لا علينا!
النواب كانوا قد مارسوا (الشحتفة) حتي يشرفهم الوزير بزيارته الميمونة، وفي كل مرة يرسل غيره إليهم، لكنه مؤخرا ذهب الي هناك، ولسان حال النواب يقول: خطوة عزيزة. وقد كانت المناسبة هي الحصول علي الموافقة علي قرض من مؤسسة ألمانية، قدره مليون يورو، يورو ينطح يورو، وهو مبلغ ضخم اذا تم تحويله الي العملة المصرية، لانه يحتاج الي سيارة نصف نقل لحمله.. والله أعلم. ويبدو ان هذا هو السبب الذي جعل الوزير المفدي يتواضع ويذهب الي البرلمان، وقد وجدها النواب فرصة عظيمة فالتفوا حوله، ليحصلوا علي (توقيعه الشريف) علي طلبات ناخبيهم، فكانوا في التفافهم كالعامة عندما يحتشدون حول نجوم السينما اذا رأوهم رأي العين!
الوزير ذهب في البداية الي حيث يجلس أحد مراكز القوي السابقين كمال الشاذلي، وقام بالتوقيع علي جميع طلباته.. ( أصيل يا انس)، قبل ان ينظر الي طلبات النواب الآخرين، وهذا ليس موضوعنا، فما يهمنا في هذا المجال هو القرض الألماني، فإذا كان الألمان يتصرفون علي طريقة من معه يورو ومحيره يشتري به حمام ويطيره فهل إعلام انس الفقي الشائخ يستحق ان نمد من اجله أيادينا ذات اليمين وذات الشمال، وبالاقتراض من الألمان ومن غيرهم؟ ومؤكد ان القرض سيتم سداده من أموال الشعب المصري، وكان المفروض ان يخبرنا الوزير عن ما هي حاجة إعلامنا لهذه الأموال، مع أنها مستورة والحمد لله، فإعلامنا لا يهتم به أحد، ولو تم إغلاقه بالضبة والمفتاح، وتسريح العاملين فيه بإحسان، فلن يشعر بذلك انس ولا جان، فلا شيء يستحق الاقتراض وقلة القيمة!
لقد كان واضحا ان الوزير جاء في حماية رئيس مجلس الشعب فتحي سرور، فعندما انتهز أحد النواب وجوده ووقف يتهمه بالفشل، ويؤكد ان قنوات تلفزيونه فقدت مصداقيتها وانصرف الناس عنها، أسكته سرور وقال ان هذا ليس موضوعنا، فالموضوع هو الموافقة علي القرض، وبمجرد ان حصل الوزير عليها انصرف في أمان الله. وقد ترك رئيس البرلمان النواب الذين قالوا كلاما اضحك الثكالي والمطلقات، فأحدهم انتصب واقفا وقال ان الإعلام المصري لا يزال يحتفظ بريادته.. حلاوتك. ولم يسكته سرور بحجة ان هذا ليس موضوعنا.
تلفزيون فاشل وسكتنا، فلا يقدر علي القدر الا القادر، ألا وان يتم الاقتراض من اجله، فهذا هو الغريب.
عموما لا غريب ولا يحزنون، فالمهم ان يعيش الوزير انس ويقترض.. ويا عزيزي الوزير: حسك في الدنيا!

عباس رحل

بدأ موسم الهجرة من (الجزيرة)، فقد تركها عباس ناصر، وقبله انسحب منها حافظ المرازي، ومعلوماتنا ان تلفزيون الـ (بي بي سي)، الذي سيبدأ بث إرساله في تشرين الاول (أكتوبر) المقبل، يمثل عملية جذب للعاملين في هذه المحطة، والذين يبدو انهم باتوا يخافون من الغد. وتبدو الجزيرة غير مهتمة بذلك، من باب التعالي، وإعمالا لسياسة الباب يفوت جمل، المعتمدة لدي أصحاب محلات البقالة في مواجهة العاملين في محلاتهم، الأمر الذي بتنا نخشي معه ان نستيقظ ذات صباح فلا نجد في (الجزيرة) سوي ثلاثي أضواء المسرح، الذين يحتلون الشاشة، كما كانت تحتل شاشة التلفزيون المصري في السابق مفيدة شيحة، وكما يحتله الآن تامر أمين نجل أمين بسيوني وشقيق كل من المذيع علاء بسيوني والفنانة ندي بسيوني.
عباس ناصر هو مراسل الجزيرة الذي شاهدناه وهو يغطي أحداث الاعتداء الإسرائيلي علي الجنوب اللبناني، وبرز كنجم تلفزيوني بسبب هذه التغطية. والجزيرة ليست التلفزيون المصري، او السوري، او الجزائري، او الصومالي، حتي يضحي بها إعلامي، ويستبدل بها غيرها. والمعني ان هناك أسبابا موضوعية دفعت عباس الي ذلك، وستدفع بغيره، وهو أمر ان لم تتنبه له إدارة الجزيرة، فسوف يأتي عليهم يوم يصبحون في حكم وزير الإعلام المصري السابق صفوت الشريف، عندما كان يلصق بتلفزيونه الشائخ صفة (الريادة الإعلامية)، فيُضحك السامعين كما لو كان قد أطلق نكتة!

صلاح نجم

علي ذكر تلفزيون الـ (بي بي سي) فان كاتب هذه السطور يتنبأ له بالنجاح، وهو النجاح الذي سيكون سببا في تحريض الجزيرة علي النهوض من باب المنافسة، والمشاهد مثلي هو المستفيد، وسيكون هذا دافعا للقناة القطرية للحفاظ علي أهم ما تملك وهو الثروة البشرية، فليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كله عند العرب صابون، وليس كل من ظهر علي الشاشة وقال: مشاهدي الكرام، يمكن ان يصبح مثل فيصل القاسم، وخديجة بن قنة، وليلي الشايب، وجميل عازر، وكمال ريان، وجمانة نمور، وتوفيق طه.
أتنبأ بالنجاح للتلفزيون سالف الذكر لان صلاح نجم هو القائم علي أمره، وهو الذي ساهم في نجاح قناة الجزيرة من قبل، وبسبب هذا انغاظ القوم عندنا في مصر، وكانوا يحملونه مسؤولية كل النقد الموجه للنظام المصري والذي كان يحدث في أي برنامج، وهو يعرفون انهم يحملونه اكثر من طاقته، فقد كانوا في ضيق منه، لان الجزيرة مسحت تلفزيونهم (بأستيكة)، وجعلته يبدو للمشاهد كعجوز شمطاء، وقد وصل الأمر الي حد تهديدهم بسحب الجنسية المصرية منه، كما لو كانت قد أُعطيت له إيثارا او مُنحت تكرما، او أنها هبة من مولانا ولي النعم!
لقد عاد صلاح نجم الي مصر، وقيل أن أصحاب التلفزيون المصري سيستعينون به علي نوائب الدهر وغدر الزمان، إلا ان هذا لم يحدث، فجماعتنا في حكم الذي لا يدري، ولا يدري انه لا يدري، كما ورد في الحديث الشريف.
لقد استعان أصحاب قناة العربية بصلاح نجم في مرحلة التأسيس، وبدلا من ان تنافس قناة الجزيرة نافست الإخبارية السعودية العملاقة، وقد سألت عن السر وراء ذلك فقيل ان السعوديين أفشلوه، لكني اعتقد ان الإنكليز لن يكون من ضمن أهدافهم ان يبثوا فضائية بالعربية لينافسوا قناة النيل للأخبار.
عموما نحن في انتظار تلفزيون الـ (بي بي سي)!

انفذوا من واشنطن

مع احترامي لعبد الرحيم فقراء ولمحمد العلمي، فان برنامج (من واشنطن) فقد بريقه، والمشكلة في مقدمه السابق حافظ المرازي، الذي اتعب من بعده، وجعل مشكلة الزميلين شاقة للغاية، وربما لو بدأ البرنامج بهما لما كان المشاهد قد عقد هذه المقارنة الظالمة.
وفي تقديري ان حافظ قبل تركه للجزيرة قدم حلقة باهتة من البرنامج المذكور، هي التي استضاف فيها محمود سعد، ومذيعة دريم مني الشاذلي، ومذيع المحور معتز الدمرداش، لكن المشاهد تعامل مع هذه الحلقة علي أنها جملة اعتراضية، ولو استمر علي هذا المنوال لصار أداء فقراء والعلمي فتحا في تاريخ البرنامج.
من واشنطن ارتبط بمقدمه حافظ المرازي، الذي كان سببا في نجاحه، وكان علي إدارة الجزيرة ان تحتشد من اجل ان يحافظ البرنامج علي نجاحه ليس بالتغيير في الشكل وانما بالمحافظة عليه، وبطاقم من المعدين يقدمون أفكارا جذابة، ولو من باب التأكيد علي ان القناة لم تخسر شيئا بانصراف حافظ.

ارض ـ جو

أفضل برنامج في قناة الحرة هو (عين علي الديمقراطية)، واسوأ برنامج هو (حكايات مصرية) وأسوأ برنامج في التلفزيون المصري هو (صباح الخير يا مصر)، وأسوأ منه (حالة حوار).
نقلت (الجزيرة مباشر) جلسة دردشة من أحد البيوت، غدا تنقل وقائع (طهور) أبناء الأصدقاء.
أفضل مراسل تلفزيوني هو عمرو عبد الحميد مراسل الجزيرة في موسكو، وأسوأ مراسل هو مراسل
تلفزيون الريادة الإعلامية من بغداد إبان الغزو الأمريكي.

"سليم عزوز"


كاتب وصحافي من مصر

30/06/2007

azzoz66@maktoob.com
(عن جريدة القدس العربي)

! مشاريع السلام العربية

! مشاريع السلام العربية

! بعد أربعين عاما من النكبة

! بعد أربعين عاما من النكبة

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس