samedi 9 juin 2007

قتال الاخوة

يتفق الكل بأن ما جري في حزيران (يونيو) سنة 1967 كان هزيمة مخجلة للعرب ولمشاريعهم بكل المقاييس، وخصوصا العسكرية منها. ومع ذلك كله، لا يمكن اعتماد المقاربة العسكرية وحدها لتحليل ما وقع، بل ـ وكما قال أحد الباحثين ـ ثمة ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية نشأت عقب الحرب لا يستطيع أن يهتم بها التحليل العسكري، ولا حتي أن ينتبه إليها، وهي برسم اختصاصات أخري في الفكر والنظر تقع ضمن مشمولاتها. نكتفي منها بذكر ظواهر ثلاث تستوفي النظر:
ـ الظاهرة الأولي: هي نشوء وتنامي حالة المقاومة الشعبية ـ المدنية والمسلحة ـ بديلا من حالة المواجهة العربية الرسمية للاحتلال. وقد دشن الشعب الفلسطيني بذلك انطلاقة العمل الفدائي والكفاح المسلح.
ـ والظاهرة الثانية: هي صحوة الوعي السياسي العربي المعاصر في مواجهة حدث عسكري عارض ، حوله ـ بقراءة رصينة ـ إلي امتحان مجتمعي شامل.
ـ أما الظاهرة الثالثة : فهي تجنيد الرمزي والمقدس في الصراع ضد المشروع الصهيوني.
والأكيد هنا أن هذه الهزيمة هي التي هزت شعور الشعوب العربية من الخليج إلي المحيط، وجعلت الخطاب السياسي العربي عموما، والفلسطيني خصوصا يستيقظان من ضجيج الدعايات الديماغوجية والشعارات الجوفاء، وكان لا بد ـ أيضا ـ أن يستفيق الشعب الفلسطيني من هول الصدمة، ويستعيد ثقته بنفسه وقدرته علي مواجهة المحن.
وكان يجب انتظار هزيمة 1967، لينطلق الخطاب السياسي الفلسطيني، وليتخذ موقفا من القضايا التي استحدثت علي الساحة الفلسطينية والعربية والدولية بسبب تآمر الصهيونية والإمبريالية من جهة، وتقاعس الأنظمة العربية من جهة أخري. هذه الأنظمة التي كانت قبل سنة 1967 لا تفكر في إشكالية العوامل التي كانت تنخر كيانها من الداخل، وتقف عائقا أمام مشروعها الوطني والقومي والوحدوي، حيث كان وعيها ينصب عند كل مناسبة علي ربط هذه العوائق بالعوامل الخارجية المتمثلة في الإمبريالية و الصهيونية والغرب، والتحالف الإستراتيجي بينهما.
اما بعد هزيمة 1967 فقد بدأ شعور حاد ـ في أوساط الأنتلجنسيا والأنظمة العربية ـ بأن أسباب الإخفاق العربي ليست عسكرية وسياسية، ولا يمكن ردها إلي هذه العوامل حصرا، بل إن ذلك الإخفاق (الذي قد بلغ ذروته في خضم المشروع الناصري) كان يتقوي بفعل عوامل ذاتية وموضوعية: اجتماعية وثقافية عميقة كانت تهيئ شروط الكبوة الحضارية . هكذا بدأ الخطاب السياسي الفلسطيني يدرك أن الخطب العربية الثورية و الاشتراكية و الوحدوية و القومية و الدينية السائدة آنذاك والمدافعة عن قضية فلسطين قبل الهزيمة: كانت خطابات فارغة جوفاء، تعبر عن آمال أو مخاوف ليس غير، الشيء الذي جعلها تعكس أحوالا نفسية وليس حقائق موضوعية .
وفي ظل هذه الأوضاع المهزومة أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية فتح ـ وللمرة الأولي ـ خطابا سياسيا بصورة رسمية، حددت فيه الهدف النهائي لكفاحها التحرري. وقد جاء في إعلانها نحن نقاتل اليوم في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم ـ مسلمين، مسيحيين ويهودا ـ في مجتمع ديمقراطي تقدمي .
وكان هذا الإعلان بمثابة رفض واضح لهزيمة 1967علي كافة المستويات:
ـ اجتماعيا: شعر المواطن العربي أمام هول الهزيمة بالإحباط واليأس والمهانة، واقتنعت كل الأوساط الشعبية بفشل كل الإستراتيجيات الرسمية العربية في مواجهتها لإسرائيل، وأصيب العقل العربي بنوع من الصدمة جعلته يبقي شاردا لا يستطيع فهم ما يجري.
ـ سياسيا : عرت هذه الهزيمة واقع وحقيقة الأنظمة العربية، وفشل خطبها الإيديولوجية في كل أشكالها التقدمية و الثورية و الرجعية و الدينية .. وكشفت بالواضح أن السياسة العربية تجاه قضية فلسطين كانت مجرد سياسة الأوهام وسياسة البلاغة اللفظية، وأنها كانت تفتقر لأبسط الإستراتيجيات لمواجهة إسرائيل، وأن ما أنتجته من خطابات كان مجرد انفعالات إزاء الأحداث وليس تفاعلات معها. وفي جو اليأس والصدمة أخذ الخطاب الفلسطيني يبرز للوجود وسط مرحلة تميزت بنمو الوعي الكياني مع وتيرة البناء الكياني نفسه ، والذي انتهي إلي إقامة منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها المعروفة، حيث برز تطور غير عادي، علي كافة الأوساط الفلسطينية، في هدف تحقيق القيادة الجماعية وإعطائها أسلوبا جديدا في العمل. وهيمنت علي الخطاب السياسي الفلسطيني مفاهيم ومصطلحات ومنظومات جديدة، ذات دلالة ملأها الشعور بالكيان بالشخصية الفلسطينية و بالدولة الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني، وجعل هذا الخطاب من الأرض رمز التحرر، ومن الشعب رمز السيادة، واعتبر قضية فلسطين فلسطينية بالدرجة الأولي وقومية بالدرجة الثانية، فتحدي كل وصاية عليها أو محاولة لإلغائها، مؤمنا بأن تحقيق النصر علي العدو وبلوغ الأهداف ينطلق من ضرب العدو في جميع مواقعه، وفي مواقع الارتباط بين حلقات قواه. وذلك باستعمال الأسلحة العسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية ضمن خطة واحدة متكاملة.
وبذلك جاء الخطاب السياسي الفلسطيني خطابا مباشرا وصريحا، عكس الخطاب السياسي العربي الذي كان خطابا ضمنيا وغير مباشر، لأنه كما قال محمد عابد الجابري كان خطابا لا يمارس السياسة في الواقع الراهن بل يمارسها في واقع آخر .
وبهذا دشن الخطاب الفلسطيني مرحلة جديدة وفعلية للثورة الفلسطينية في مواجهة الصهيونية وعملائها، انطلاقا من وضع استراتيجيات جديدة وتكتيكات تكون قادرة علي تجاوز النكسة وزعزعة الكيان الصهيوني .
إن بداية نضج الفكر السياسي الفلسطيني جاءت بعد بروز الخطاب السياسي الفلسطيني: لتحقيق الذات الفلسطينية، وإبراز نضالها باعتباره طليعة النضال العربي للتحرير وليس العكس . وبالرغم من أن انطلاقة الثورة الفلسطينية كانت في عام 1965، إلا أنها لم تصبح من العوامل الفاعلة في الحياة السياسية العربية إلا بعد وقوع هزيمة حزيران (يونيو) 1967 التي شكلت التاريخ الرسمي لاستقلال الشخصية السياسية الفلسطينية كشخصية وطنية، لكنها لم تشكل، بالتأكيد البداية التاريخية الفعلية لذلك الاستقلال. نعم لقد أطلقت الهزيمة موجة من النقد للنظام العربي، ولسياسته الوصائية حيال القضية الفلسطينية، وموجة من التبشير بالخيار الثوري الفلسطيني الجديد بديلا من الخيار العربي المهزوم. وكانت وجهة النقد تستقر علي مطلب تحرير الإرادة الوطنية الفلسطينية من الحجر المفروض عليها، وتمكينها من التعبير عن نفسها .
ومع الاسف، وبعد نكبة 1948 ونكسة 1967 وبعد مرور40 سنة علي هذه النكسة، وفي الوقت الذي كان الكل فيه يراهن علي استمرار الفصائل الفلسطينية في الحفاظ علي قدسية الوحدة الفلسطينية كصخرة صمود لكل اختراق ها نحن نري فصائل فتح وحماس تحول قدسية الوحدة الفلسطينية الي رهينة سياسية مباحة في هذا الزمن الامريكي الصهيوني

"الدكتور ميلود بلقاضي"

(الأستاذ والكاتب والباحث المغربي)
(خدمة القدس العربي)

Aucun commentaire:

! مشاريع السلام العربية

! مشاريع السلام العربية

! بعد أربعين عاما من النكبة

! بعد أربعين عاما من النكبة

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس