samedi 23 juin 2007

حرائق مستعرة.. ولكن لا تشغلنكم عما هو أخطر



"زين العابدين الركابي"




لأهل لبنان معاذيرهم، إذا هم لم يكترثوا بمآسي العراقيين. وللفلسطينيين وللعراقيين معاذيرهم إذا ذهلوا عما يجري بين الفلسطينيين من اقتتال وصراع دام.. وللفلسطينيين معاذيرهم إذا لم يسمعوا أنين اللبنانيين والعراقيين.
لماذا يعذر هؤلاء جميعاً؟ لأن لدى كل طرف من هذه الأطراف من الأحزان والهموم والغموم: ما يمتص آخر دمعة، وآخر ذرة أسى فيهم، فهم مغموسون في أحزانهم، مشغولون بها عن أحزان غيرهم.
وهذا مطلب أو هدف كبير من أهداف الذين لا يريدون لأمتنا خيرا ولا تقدما ولا تماسكا ولا (توجعا مشتركا)!، أي أن المطلوب ليس تقويض (الوحدات الوطنية)، ولا ضرب التماسك القومي العام أو النسبي، بل المطلوب: نسف (الوحدة الشعورية) حتى يحرم الأخ من مجرد الاحساس الجبلي أو الإنساني: بآلام أخيه!.
هذه كارثة بالمعنى الوطني والأخلاقي والإنساني والحضاري: كارثة أن يفقد الإنسان (غريزة التضامن) التي يتمتع بها النمل: «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».. ويتمتع بها الغربان: «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي».
ذاك التشابه في (الغيبوبة الشعورية): له مثيل في الواقع يمكن تقديم نماذج ثلاثة منه:
1 ـ نموذج (التفتت الوطني).. ففي فلسطين اليوم: حكومتان: ليست حكومة إسرائيلية وأخرى فلسطينية، بل حكومتان فلسطينيتان بزعامتين متصارعتين.. وهذه أفظع صورة من صور التفتت الوطني، فوجود حكومتين من هذا النوع: يمزق الشعب الفلسطيني شر ممزق.. وفي العراق حكومة وطنية (شكلية) هي غطاء لحكومات متعددة عرقية وطائفية وجغرافية.. وفي لبنان تلويح بوجود أكثر من حكومة، في حالة تعذر حل وطني للأزمة المستحكمة.. كما أن هناك تلويحا بتقسيمات أشد وأخطر.
2 ـ نموذج (فشل الحل الديمقراطي).. ففي لبنان ديمقراطية.. وفي الأرض الفلسطينية المحتلة ديمقراطية.. وفي العراق ديمقراطية.. وكلها ديمقراطيات (ذات أحزاب)، بيد أنها ديمقراطيات فشلت في حل الأزمات وعلاج المشكلات السياسية والوطنية.. وهذا دليل سياسي عملي حاسم على أن الديمقراطية وحدها ليست (ضمانا كافيا) لـ (الوحدة الوطنية) و(الاستقرار الاجتماعي) و(المصالح العليا)... ليست ضمانا كافيا لذلك كله: من الهدر والانتهاك والاغتيال والتقويض والنسف.. يضاف الى ذلك: ان (الاعلام الديمقراطي) في تلك المناطق كان وبالا على الوحدات الوطنية. فقد ثبت أن الاعلام في العراق ولبنان والأرض الفلسطينية المحتلة: اصبح (أداة رهيبة) للتمزيق والتحريض المتبادل والتهييج المذهبي والطائفي والحزبي.. ولقد أدى ذلك الى ضرب الوحدة الوطنية، واماتة الشعور بالصالح العام أو المصلحة العليا.
3 ـ نموذج (فقدان العقل).. ففي لبنان: يستحيل ـ عقلا وواقعا ـ: أن يلغي طرف ما: وجود طرف آخر. وهذه الاستحالة توجب ـ بالاضطرار العقلي والغرائزي ـ (التعايش المشترك) ولو على قاعدة (تحمل أخف الأضرار في سبيل دفع أثقلها وأعمها).. ولما كان فقدان العقل يقود ـ دوما ـ الى الأزمات لا الى الحلول، فيمكن تكييف الوضع في لبنان بأنه نتيجة للغيبوبة العقلية في المقام الأول.
وفي العراق: تأخر العقل على حين تقدم الهياج المذهبي والطائفي والعرقي. وكانت النتيجة: خسران الجميع على الرغم مما يبدو للناس: ان فريقا سجل نقطا ضد فريق آخر. فهذه حسابات طائفية لا عقلانية.. فالحساب العقلاني يتمثل ـ ها هنا ـ: في الوحدة الوطنية الجامعة التي توفر الأمن العام للجميع، وهو أمن لا بد منه كمناخ ضروري لتحقيق المصالح الاقتصادية، وتوفير الخدمات العامة، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي على المدى: القريب والبعيد.
وفي الأرض الفلسطينية المحتلة: طار العقل، وساد الجنون. فما يجري (جنون) ـ حقيقي لا مجازي ـ لأنه اقتتال على (شيء غير موجود)!. فالأرض التي يتقاتلون فوقها ومن اجلها هي نفسها (ارض محتلة) لا يزعم طرف انه يملك التصرف فيها بحرية.. ولأنه اقتتال أدى الى (العودة المضادة)!!.. بمعنى ان الذين عادوا الى الارض المحتلة منذ سنوات: يعودون الى الخارج من جديد: هربا من القتال والدمار!.. وبمنطق العقل: ألا يضعف هذا السلوك الفلسطيني ـ المتسبب في الهجرة الى الخارج ـ ألا يضعف (حق العودة) الذي كفله القانون الدولي للفلسطينيين؟ ثم هو اقتتال يحقق لاسرائيل ما لم تكن تحلم به: يحقق لها هدف قتل الفلسطينيين، ولكن بيد فلسطينية.. ويحقق لها هدف الترويج لفكرة: ان الفلسطينيين ليسوا اهلا لوطن ولا دولة!
لقد كثفنا الضوء على (المسؤولية الذاتية) عما يجري، لأن المنهج يقضي بالبدء بـ (نقد الذات):
أ ـ «أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند انفسكم».
ب ـ «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم».
على ان نقد الذات لا يعني ـ قط ـ اطراح او اهمال (العوامل الخارجية).. وهذا تدخل فكري شائك ينبغي ضبطه بالقاعدة العلمية التي تقول: «ان كل قوة لا يمكن ان تؤدي عملها او تفعل فعلها إلا اذا وجدت جهازا قابلا».
في ضوء ذلك نقول: إنه لن يصح تفسير ما يجري في لبنان والارض الفلسطينية المحتلة والعراق: باستبعاد (العوامل او الايدي الخارجية).
أولا: لأن قوى خارجية تجهر بالتدخل في الشؤون الفلسطينية (نصرة طرف على طرف آخر).. وفي الشؤون اللبنانية (نصرة طرف على طرف آخر ايضا).. وفي الشؤون العراقية (الاحتلال والوصاية الكاملة تقريبا على كل شأن).
ثانيا: لأن مسلسل الأحداث، وسيناريوهات الوقائع ترهص بما هو اوخم واخطر مما يجري في المواقع الثلاثة المتفجرة.
إن الاقليم يستعر بالحرائق الكبيرة (ذات الألسنة الممتدة الى خارج اتونها). وهي حرائق وقودها الحقد والعمى وسوء الحساب، وسوء السياسة والخلق.. حرائق ضحاياها: البشر، والامن والاستقرار والتقدم والعمران.
والحرائق: علاجها (الإطفاء)، بيد ان (العكس) هو الذي يحدث ـ وبانتظام وبرمجة غريبين ـ.. فلا يكاد العراق يهدأ ـ بعض الهدوء ـ حتى ينفجر من جديد وبصورة أسوأ من ذي قبل.. وكلما حاول الجادون الصادقون الشرفاء: اخماد حريق الاقتتال في الارض الفلسطينية المحتلة، جاء من يؤجج السعير بمزيد من الوقود المؤجج (اتفاق مكة والانقضاض عليه كمثال).. وكلما لاحت في الأفق اللبناني فرصة وئام وطني: جاء من يبدد
هذه الفرصة (المبادأة الفرنسية كمثال).
فما الهدف من وراء: الابقاء على الحرائق مشتعلة ومنع يد الاطفاء من اخمادها؟
ما الهدف؟
هل هو الاصرار على التطبيق الميداني لـ (نظرية الفوضى الخلاقة).. وهذا السؤال نفسه يلد سؤالا آخر كبيرا وهو: ولماذا نظرية الفوضى الخلاقة؟.. ثم ان هذا السؤال الكبير نفسه يلد اسئلة أخرى عديدة:
أ ـ هل المقصود من الفوضى الخلاقة (تغطية الخيبة الاستراتيجية التاريخية الكبرى في العراق؟).
ب ـ هل المقصود: التهيئة القَبْليّة لحرب قادمة على ايران؟
ج ـ هل المقصود: تجميل (وجه اسرائيل)، وانها ارحم بالعرب من العرب انفسهم، تجميل وجهها من خلال ابراز وجه العرب القبيح الملطخ بالدم، الهائج بلا زمام ولا لجام (وبضدها تتميز الاشياء).
د ـ هل المقصود: توثيق نظريتهم التي تلح على ان (العرب قوم منحطون) وهي نظرية تتحرى ترسيخ الاقتناع الفكري والسياسي والحضاري، بأن العرب امة منحطة بحكم تكوينها العرقي والديني والثقافي والحضاري.. ألم يصف بني موريس الموصوف بأنه (مؤسس المؤرخين الجدد الاسرائيليين) ألم يصف العرب بأنهم (برابرة)؟
هـ ـ هل المقصود: (تكثير السوابق) التي تسوغ (التدخل) الاجنبي وتستدعي: التدخل لمكافحة الارهاب.. ثم التدخل من اجل الاصلاح الديمقراطي وغيره.. ثم التدخل لـ (اطفاء الحرائق) حيث عجز اهل الدار عن اطفائها؟!.
و ـ هل ذروة المقاصد هو (فرض وصاية دولية) على الاقليم كله بحجة: ان الاوضاع مقبلة على (انهيار تام)، وهذا مصير لن يقبله الغرب ـ قط ـ!!، لأن الاقليم هو (المخزن الاعظم للطاقة النفطية) التي هي شرايين الانتاج الصناعي في الغرب والعالم؟.
وفي هذا السياق: هل يعاد انتاج واخراج مبدأ بريجنيف (الشيوعي).. ففي عام 1968 سحقت دبابات بريجنيف، تشيكو سلوفاكيا.. ولم تكن عنده (الوصاية السياسية العسكرية) مصابة بالبكم، بل كانت ناطقة لها ولها (فلسفة)، فقد سوغ بريجنيف انتهاكه لسيادة ذلك البلد بمبدأ سمى بمبدأ بريجنيف وهو مبدأ (السيادة المحدودة)، أي ان سيادة الدول محدودة ومنتقصة بحكم ارتباطها بالاستراتيجية العليا للاشتراكية السوفيتية الماركسية اللينينية.. فهل يعاد اخراج هذا المبدأ في غلاف جديد هو (سيادة الدول محدودة ومحكومة بالاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الامريكية).. ومحدودة ايضا باجندة وكيلها الاقليمي وهو اسرائيل في حالة اقليمنا هذا؟.
ان لبرنارد لويس ـ صاحب التأثير الطاغي في الادارة الامريكية ـ لهذا الرجل نظرية لا يكف عن الجهر بها وهي: «ان العرب والمسلمين ثبت تاريخيا انهم لا يستطيعون ادارة شؤونهم الا تحت وصاية، وعلى الغرب ان يمارس هذه الوصاية من الحاضر والمستقبل». فالى أي حد تأثر القرار السياسي والاستراتيجي الغربي بهذه المقولة؟
المهم ـ من قبل ومن بعد ـ ألا يشغلنكم ما يجري في لبنان والارض المحتلة والعراق.. لا يشغلنكم ـ على خطورته ـ عما هو افدح وادهى مما هو مراد بالمنطقة كلها.. والعبرة العاجلة هي (التأهب للكفاح الوطني)، الجاد في سبيل الحفاظ على السيادة الوطنية والامن الوطني.
نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية

Aucun commentaire:

! مشاريع السلام العربية

! مشاريع السلام العربية

! بعد أربعين عاما من النكبة

! بعد أربعين عاما من النكبة

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس

!"مجلس النواب الأمريكي يهنئ اسرائيل في الذكرى ال40 "لاعادة توحيدالقدس